هذه نعم الله تعالى التي خلقها في الأرض أو بعضها ، وقد عدد نعمه في الأرض ثم اتجه إلى نعمه على الإنسان في السماء ، فقال عز من قائل:
{ وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( 12 )} .
فالله تعالى سخر لنا الليل والنهار ، أي ذلل الليل والنهار لنا ، فجعلهما بذاتهما نعمة ، ففي الليل يكون الهدوء الساتر ؛ ولذلك سمى الليل لباسا ، وفي النهار يكون العمل والكسب ولكدح ، وفي الليل يكون الاستجمام لعمل النهار ، وفي النهار يكون العمل المنتج المثمر .
ثم هناك أمر آخر في الليل والنهار ، ففي الليل يكون الكربون الذي تنمو منه عروق الأشجار والأوراق وتنفث الزائد منه عن حاجتها .
وفي النهار تكون الحرارة ، وتنفث الأشجار ما يكون عناصر تدخل في تكوين الأحياء ، وهكذا كان في الليل والنهار نعمة أو نعم نذكر منها ما أدركنا ، وهو بعض قليل من نعم كثيرة من بها علينا الله سبحانه وتعالى ، وهو الحكيم العليم .
وبعد ذلك ذكر سبحانه ما يكون في النهار من شمس مشرقة وهي ضياء تمد بكل العناصر التي يتغذى منها النبات ، والنخيل والكروم والزيتون ، وغيرها من الدوحات العظام والباسقات ، ثم القمر وما يكون منه من نور ، وإن لم يكن ذاتيا ، فهو في ذاته نعمة ، وثبت بالواقع أن له تأثيرا في الأجنة في بطون أمهاتها ، وفي حياة المرأة ، وفي طمثها وطهورها ، وحملها وولادتها وسر ذلك عند العليم الحكيم ، والعلماء دائبون في البحث والتعرف .
ولذا قال تعالى وقد علق فكر ابن آدم بالسماء:{ وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره} .
ومعنى التسخير تذليلها لمنافع الناس ، فليست مذللة بذاتها للناس ، ولا سلطان لهم عليهم ولكنه سبحانه وتعالى جعلها مذللة لمنافعهم ، فالشمس والقمر يكون منهما الليل والنهار ، ويكون ما ذكرنا وهو بعض مكمل ، ويعلم بهما الحساب{. . .والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب . . .( 5 )} [ يونس] .
وسخر الله تعالى النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر .
وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله:{ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} ، أي في ذلك ذكره سبحانه من خلق السموات والأرض ، وتسخير الليل والنهار ، والشمس والقمر والنجوم ، لآيات بينات دالة على وحدة الخالق ، وأنه وحده المستحق للعبادة ، لقوم يعملون عقولهم في خلق السموات ، وإدراك حقيقة الوجود ، ولا يقولون في عبادتهم:{. . .بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا . . .( 170 )} [ البقرة] .