ولقد قال في ذكر بديع خلقه:
{ وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ( 13 )} .
الواو عاطفة على الليل والنهار ، والعطف على نية تكرار الفاعل ، والمعنى "سخر لكم ما ذرأ"، وذرأ:خلق وأبدع ، وقوله تعالى:{ مختلفا ألوانه} حال ، فالبذر في أرض واحدة ، أو قطع من الأرض متجاورات ، وتسقى بماء واحد ، وتسمد بسماد واحد ومع ذلك يخرج الزرع مختلفا ألوانه ، والحيوان مختلف الألوان ، والإنسان مع أن النطفة واحدة يكون مختلف الألوان ، كما قال تعالى:{ ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم . . .( 2 )} [ الروم] .
وإن تسخير الله ما ذرأ مختلفا ألوانه ، فيه نعمتان جليلتان أنعم الله تعالى بهما على عباده:
النعمة الأولى – أن اختلاف الألوان يومئ إلى اختلاف الأنواع والأصناف ، وكل يؤدى للإنسان غرضا فهذا يكون منه لباسه ، وذاك يكون منه طعامه ، وذلك منه أثاثه ما يكون أداة حربه وجهاده .
النعمة الثانية – أن اختلاف الألوان يكون فيه بهجة للناظرين ، ويجعل الأرض ذات منظر بهيج . وإن المعادن التي ذرأها الله تعالى في الأرض من حديد ونحاس وذهب وفضة وغيرها من فلزات ، هي مختلفة الألوان ، وفيها بهجة وزينة ، وفيها منافع الناس ، والحديد فيه بأس شديد ، والأحجار من فحم وماس ، وغيرهما ذرأهما الله للناس لمنافعهم وهي مختلفة الألوان ، وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله:{ إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} ، أي إن في ذلك الذي ذكره من ذرء ، وخلق مختلف الألوان في باطن الأرض ، وما على ظاهر الأرض من زروع وثمار كل ذلك فيه آيات دلائل بينات على وحدة الخالق{ لقوم يذكرون} ، أي يتذكرون الأشياء والأمور ويربطونها بعضها ببعض .
ويلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في بديع نظم القرآن وإحكامه ، قال في الآية الأولى{ إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} ليدعوهم إلى التفكير ، وفي الثانية{ لآيات لقوم يعقلون} ليدعوهم إلى أن يكون التفكير بعقولهم لا بأهوائهم ، وفي الثالثة:{ لآية لقوم يذكرون} ليكون دعوة إلى اعتبارهم ، وربط الأمور بعضها ببعض .