{ذَرَأَ}: خلق .
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} وما خلق من أصناف الأشياء المودعة في الأرض ،في ظاهرها وباطنها ،من معادن ومركّبات ،مما ينتفع به الإنسان ،وتتكامل به حركة الحياة في طريق النموّ والتطوّر ،{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} بما توحيه كلمة التذكر من وعي للكون والواقع والمصير ،ما يجعل الإنسان يتوقف أمام كل شيء يراه أو يسمعه أو يلمسه أو يكتشفه ،ليجعله موضع دراسةٍ وتجربةٍ ،ومصدر معرفة واستذكارٍ للنتائج الإيجابية أو السلبية التي يواجهها ،تبعاً للتخطيط الدقيق الذي يخضع له حياته .
وقد حاول صاحب تفسير الميزان أن يتوقف أمام اختلاف الكلمات في الآيات الثلاث ،التي قد يكون المعنى فيها واحداً ،وذلك في قوله «يتفكرون » و «يعقلون » و «يذكّرون » ،ليستوحي منها اختلاف الموقع في كل واحدة منها قالرحمه الله: «وهذه حججٌ ثلاثٌ ،نسب الأولى إلى الذين يتفكرون ،والثانية إلى الذين يعقلون ،والثالثة إلى الذين يتذكرون ،وذلك أن الحجة الأولى مؤلفةٌ من مقدمات ساذجة يكفي في إنتاجها مطلق التفكر ،والثانية مؤلفة من مقدمات علمية لا يتيسر فهمها إلا لمن غار في أوضاع الأجرام العلوية والسفلية وعقل آثار حركاتها وانتقالاتها ،والثالثة مؤلفةٌ من مقدماتٍ كلية فلسفية إنما ينالها الإنسان بتذكر ما للوجود من الأحكام العامة الكلية ،كاحتياج هذه النشأة المتغيرة إلى المادة ،وكون المادة العامة واحدة متشابهة الأمر ،ووجوب انتهاء هذه الاختلافات الحقيقية إلى أمر آخر وراء المادة الواحدة المتشابهة » .
ولكن نرى في ذلك لوناً من التكلف ،لأن إدراك الصلة بين هذه الأمور في خصائصها العلمية وأسرارها الكونية ،يحتاج إلى فكرٍ وعلم يتحركان في دائرة العقل ،وينطلقان من وعي يعتبر المعرفة مصدراً للتذكر والاعتبار ،فليست المسألة مسألة حاجة الأولى إلى مطلق التفكر ،والثانية إلى عمق التصور العقلي ،والثالثة إلى حركة الفكر الفلسفي ،بل المسألة هي تنوع في التعبير البلاغي ،لأن فهم خصائص كل منها ،سواء أكان في الأرض أم في السماء ،يحتاج إلى عمقٍ في الدراسة ،وإلى جهد في الاكتشاف ،أما الربط بينها وبين الحقيقة الإلهية ،فإنه يحتاج إلى إعمال الفكر والعقل للوصول إلى التذكر والاستنتاج من خلال المعرفة .