قوله تعالى:{وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 14 ) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهار وسبلا لعلكم تهتدون ( 15 ) وعلامات وبالنجم هم يهتدون ( 16 )} ذلك شروع في ذكر نوع آخر من النعم التي أسبغها الله على عباده .وهي من نعم البحار ؛فقد سخر الله البحر بتذليله وتسهيله للإنسان ليجني منه منافع كثيرة في حياته .فقال سبحانه مبينا ذلك ( لتأكلوا منه لحما طريا ) وهو السمك .وقد عبّر عنه باللحم إشارة إلى قلة عظامه ؛فهو ميسور الأكل كبير الفائدة .
قوله: ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) ومن نعم الله على الناس ما ذلله لهم من مذخور البحر وما فيه من حلية ثمينة كاللؤلؤ والمرجان وغيرهما من ذخائر البحر ( تلبسونها ) وهذه من ملبوسات النساء جعلها الله لهن ليتزيّن لها فتعم الفائدة كلا الطرفين .الرجال والنساء ؛فالنساء بلباس الحلي يستشعرون الحلاوة والبهجة .وكذلك الرجال يُسرون ويتلذذون برؤية زوجاتهم وهن يرفلن بألبسة الزينة الجميلة ؛فهم جميعا يجدون في حلية البحر المستخرجة ما ينشر في حياتهم الجمال والبهجة والسرور ،وتلك نعمة من نعم الله على العباد .
قوله: ( وترى الفلك مواخر فيه ) المواخر يعني الجواري ،جميع ماخرة ؛أي جارية .والمخر معناه الشق .نقول: مخر السابحُ ؛أي شق الماء بيديه .وسميت الفلك وهي السفن مواخر ؛لأنها تشق الماء بجئاجئها ،جمع جؤجؤ ،وهو مقدمة السفينة{[2505]} .
قوله: ( ولتبتغوا من فضله ) معطوف على قوله: ( وتستخرجوا ) و ( من فضله ) أي من واسع رزقه ؛فالناس بركوبهم السفن الجواري وهي تمخر عباب البحار ،يرومون الرزق والكسب بالتجارة وغيرها .وهذا كله من فضل الله ؛أي من جزيل عطائه وامتنانه وواسع بره ورحمته .
قوله: ( ولعلكم تشكرون ) أي تذكرون ما منّ الله به عليكم من خير ،وما أسبغه عليكم من وافر العطاء والنعمة مما تجدونه من خيرات البر والبحر فتبادرون إلى طاعته وعبادته .