قوله: ( لاجرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ( لا جرم ) أي لابد ،ولا محالة .وقيل: معناه حقا .والعرب تقول: لا جرم لآتينك .لا جرم لقد أحسنت ؛فتراها بمنزلة اليمين .وقيل: لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ،فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقا .فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب بها عن القسم كقولهم: لا جرم لآتينك .وهو قول الفراء{[2514]} .
وفي الآية تأكيد جازم على أن الله يعلم ما يخفيه هؤلاء المشركون الظالمون في قلوبهم من مكنونات السوء والكيد ،وما يضمرونه للإسلام والمسلمين من نوايا الخبث والمكر .وهو كذلك يعلم ما يعلنون للبشرية من مجاهرة بالضلال والكفر وما يشيعونه على الملأ من أقاويل الظلم والباطل ليثيروا من حول الإسلام الشبهات والافتراءات فيثنوا المسلمين عن دينهم ويثبطونهم تثبيطا .
قوله: ( إنه لا يحب المستكبرين ) ليس من ذنب ولا خطيئة أشد شناعة وأفدح فظاعة بعد الإشراك بالله من الكبر ؛لأن الكبر داء يستحوذ على القلب فيسوّل له الإدبار عن دين الله ويزين له التمرد على الله في شرعه للناس .ولا يحمل المرء في نفسه شيئا من استكبار إلا ويوشك أن يبوء بالشقوة والخسران إلا أن يبادر إلى التوبة والخشوع ؛فإن من يستكبر يسلس قياده من قبل الشيطان ليجد طريقه ممهدا إلى النار .وهؤلاء المستكبرون لا يحبهم الله ولا يثني عليهم ؛بل يجزيهم ما يستحقونه من أليم الجزاء .