ولقد ذكر سبحانه وتعالى سعة علمه سبحانه فقال:
{ لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين ( 23 )} .
في الآية السابقة بين سبحانه أن الذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ، وهم مستكبرون فمظهرهم إثم ومخبرهم نكران وجحود ، وهنا يبين سبحانه وتعالى أنه يعلم باطنهم الذي تنبعث منه أعمالهم ومظاهرهم:{ لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} فلا تخفى عليه خافية من أمورهم ، وهو مجازيهم بها يوم القيامة الذي أنكروه ، وكاشف عليه خافية من أمورهم ، وهو مجازيهم بها يوم القيامة الذي أنكروه ، وكاشف أمرهم الذي ستروه ،{ لا جرم} ذكر الزمخشري أن معناها "حقا"فهي لتأكيد علم الله تعالى بما يسرون وما يعلنون أي ما يخفونه ، ولا ينطقون به ، وما يظهرون ويجهرون به من معاص تدل على مقدار عنتهم ، ومجابهتهم الحق .
ونقول:إن لا جرم فيها معنى "حقا"فيها رد لهم ؛ لأن معنى جرم كسب و ( اللام ) تدل على النفي ، فالمعنى لا كسب لهم ، ولا ثمرة لأعمالهم المكتومة والظاهرة ، ويكون المعنى لا كسب لهم فيما يفعلون من إنكار القلوب ، واستكبار النفوس ، لأن الله تعالى يعاقبهم بما أسروا وبما أعلنوا ،{. . .وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء . . .( 61 )} [ يونس] ، والله أعلم .
وإن{ ما يسرون} لا يقتصر على إنكار القلوب بل يشمل ذلك وكل ما يبيتون وما يدبرون من شر ، وما يمكرون من مكر يقصدون به إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ،{ وما يعلنون} يشمل قتال المؤمنين وإرادة الذلة لهم ، والله يريد العزة للمؤمنين .
وختم الله تعالى الآية بقوله:{ إنه لا يحب المستكبرين} ، وهي يشير إلى عذاب الله تعالى لهم ، وأن هذا الإنكار من الاستكبار ، وذلك لأن النفس المستكبرة متعالية عن الناس وعن الحق ، ومع الخضوع والتواضع يكون الإيمان ؛ لأن التواضع من غير صفة يكون معه اتساع القلب للحق فيدخله ، ومعنى عدم حب الله تعالى أنه يكومن دنيا منه قريبا إليه ، بل لأنه استكبر بعيد عن الله تعالى ، وكلما بعد عن الله تعالى لم يشعر بجلاله ولا بذكره ، ولا يطمئن قلبه .
وإنه يترتب على عدم حب الله تعالى للمستكبرين ، ألا يغفر لهم ؛ لأنهم لا يتوبون ، والتوبة باب المغفرة ؛ لأن التوبة تدلل على الرجوع إليه سبحانه ، والضراعة إلى الله تعالى ، والتوسل إليه سبحانه وتعالى ، والكبر والتوبة نقيضان لا يجتمعان في قلب مؤمن .