بعد هذه البراهين القاطعة ، والآيات البينة تقرر النتيجة التي لا ريب فيها ، وهو الوحدانية:
{ إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ( 22 )} .
هذه الجملة منفصلة عما قبلها غير موصولة بها ؛ لأنها بمنزلة النتيجة لما سبقها ، فهي مقدمات ، وتلك نتيجتها وهي بمنزلة السبب ، وتلك بمنزلة المسبب ، وإضافة الإله إلى المخاطبين معناه معبودكم أيها المؤمنون هو إله واحد لا شريك له في حقيقة معنى الألوهية ، لأنه وحده الخالق ، فلا خالق سواه ، وهو الواحد في ذاته وصفاته ، ليس كمثله شيء ، وإنه بذلك يجب أن يكون واحدا في عبادته لا يعبد سواه ، ولا يلجأ إلا إليه .
وقد قال سبحانه بعد ذلك:{ فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة} هذا النص السامي سبق لبيان كفر من كفر ، أو شرك من أشرك ، فذكر أن سبب ذلك لأنهم لا يؤمنون بالآخرة ، فذكر سبحانه أن عدم الإيمان بالآخرة يؤدى إلى وصفين:
الوصف الأول- أن تكون القلوب منكرة .
والوصف الثاني – أنهم مستكبرون ، وذلك لأن عدم الإيمان بالآخرة ، وأنه لا بعث ولا نشور ولا حساب ولا عقاب يجعل الشخص يحسب أن الإنسان خلق عبثا ، وأن الحياة الدنيا هي الحياة ، وهي المتاع ولا متاع سواه ، فيكون قالبا للحقائق ، وجاحدا دائما ، إذ الدنيا وما فيها من حسيات قد استغرقته وملأته ، ولا موضع لغيرها في نفسه فقلبه منكر إلا للمحسوس ، فلا يؤمن بالله ، ولا بالرسالة الإلهية .
وأما أنهم مستكبرون ، فلأن الدنيا تدليهم بغرور ، ومن اعتر بهذه الحياة ، وأوتى منها حظا طغى واستكبر وتجبر ، كما قال تعالى:{ كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ) أن رآه استغنى ( 7 )} [ العلق] .
ومن كان من طبيعته الإنكار والاستكبار ، فإنه تنغلق في قلبه مفاتيح الهداية .
و ( الفاء ) في قوله:{ فالذين لا يؤمنون بالآخرة} ، فاء الإفصاح ، والمعنى إذا كان الله واحدا فلماذا يكفرون ؟ فأجيب بأنهم يكفرون بالآخرة .
وأساس الإيمان هو الإيمان بالغيب ، فالذين لا يؤمنون إلا بالمحسوس ، لا يؤمون بالله ولا بالملائكة ولا بالرسالة الإلهية ، ولذا ذكر سبحانه أن أولى صفات المؤمنين بالغيب ، فقال تعالى:{ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( 3 )} [ البقرة] .