{إِلَهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ} إن وحدانية الله حقيقة واضحة لا يغفل عنها أيّ عقلٍ يفكر بمسؤوليةٍ ،ولا يبتعد عنها قلبٌ يتحسس الواقع ،وهو تصور صافٍ يعطي الحياة معناها ،ويمنح الإنسان سرّ حياته ،حيث لا يمكن أن ينفصل إحساس الإنسان بالحياة ،عن إحساسه بالوحدانية الإلهية التي منحته الحياة .
{فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخرةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} تنكر حقيقة التوحيد ،وتلتقي بباطل الشرك ،ولكن لا من موقع القناعة ،بل من موقع الاستكبار ،لأنها ترفض اللقاء بالحقيقة من خلال الفكر المسؤول ،والإحساس النقيّ ،أو من خلال الوحي الذي يحمله بشرٌ ،لا يملك مالاً أو جاهاً يقويه ،ولا يملك ما يميزه عن غيره من البشر ،كما يتميز الملك عن البشر في خلقه وارتفاع مقامه في رحاب السماء ،ولذلك فلا مجال للتفكير بما يطرح ،ولا للحوار معه ،لأن المسألة مسألة شخصية الرسول ،لا شخصية الرسالة ،ومستوى الموقع لا مستوى الفكر ،خاصة إذا كان الرسول فقيراً أو يتيماً أو غير منتم إلى الطبقات العليا في المجتمع ،فإن ذلك يحسم مسألة الرفض لكل ما عنده ،دون سؤال{وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} في تفكيرهم الذي يتحرك من موقعٍ فوقي يمنعهم من احترام فكر الآخرين ،وفي مشاعرهم التي تتحكم فيها عقدة الكبرياء وتمنع عنها التفاعل بمحبة مع مشاعر الآخرين .وبذلك لا يكون الاستكبار حالةً اجتماعيةً منحرفةً ،بل يتحول إلى نوعٍ من الانحراف الثقافي والعقيدي والروحي ،الناشىء من الإصرار على الرأي الخاطىء تحت تأثير الحالة النفسية المعقّدة .