قوله: ( ثم كلي من كل الثمرات ) ( ثم ) ،تفيد التراخي بين اتخاذ البيوت ،والأكل الذي تدخر منه العسل .والثمرات جمع الثمرة ،وهي الشجرة{[2564]} ؛أي: كلي مما في الأشجار من أوراق وأزهار وثمار .
قوله: ( فاسلكي سبل ربك ذللا ) ،الفاء للعطف ؛أي: إذا أكلت فاسلكي سبل ربك ،وهي: الطرق أو المسالك في العود إلى بيوتها ،( ذللا ) ،جمع ذلول .منصوب على الحال من السبل ؛أي: ذللها الله وسهلها لها .
قوله: ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ) ،ذلك من عجيب صنع الله ،أن صنع من الشجر والزهور والثمر في أحشاء النحل عسلا ،يخرج من ( بطونها ) ،يعني: أفواهها ،وهو قول أكثر المفسرين .وقيل: يخرج العسل من أدبارها .
وكيفما يكون الإخراج ،أو من حيثما كان ؛فإن غاية العجب تكمن في ماهية صنع ذلك في جوف النحل ليصير عسلا ،وهو الشراب الشهي المستطاب ،وهذه الظاهرة العجيبة لا تحصل في غير النحل من الأحياء .لاجرم أن ذلك ،هو: دليل ظاهر بالغ على عظيم قدرة الله .
على أن العسل مختلف الألوان بالبياض والصفرة والحمرة والسواد ،وسبب ذلك: اختلاف طباع النحل ،واختلاف المراعي .وقيل: الأبيض تلقيه شباب النحل ،والأصفر تلقيه كهولها ،والأحمر تلقيه مسنها ،وذلك بحسب أسنان النحل .
وقيل: إن ذلك لمحض إرادة الصانع الحكيم جل جلاله .
قوله: ( فيه شفاء للناس ) ،الضمير في قوله: ( فيه ) ،يعود إلى العسل ،وهو شفاء من جملة الأشفية والأدوية النافعة ،و ( شفاء ) نكرة ،للتعظيم ؛أي: فيه شفاء ،أي: شفاء ،أو لدلالته على مطلق الشفاء ؛أي: فيه بعض الشفاء ،وليس كله .وليس المراد بالناس هنا العموم ؛فإن كثيرا من الأمراض لا يدخل في دوائها العسل ،وإنما المراد بالناس الذين ينجع العسل في أمراضهم .
قوله: ( إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) ،فيما تبين من ذكر النحل: من حيث ثواؤه في بيوت يصنعها على أشكال مختلفة عجيبة ،ومن حيث غذاؤه من أوراق الشجر وأزهاره ،وما يعقب ذلك من صنع العسل ،هذا الشراب الذي يستشفي به كثير من الناس ،وذلك بطريقة يعلم ماهيتها الله ،والراسخون في العلم- إن ذلك كله ( لآية لقوم يتفكرون ) ،أي: دليل ظاهر وبرهان ساطع يتدبره أولوا الأبصار والنهى ،فيستيقنون أن الله حق ،وأنه على مل شيء قدير{[2565]} .