/م65
المفردات:
السبل:واحدها: سبل .
ذللا: واحدا:ذلول ، أي: منقادة طائعة .
شراب: عسلا .
مختلف ألوانه: من أبيض إلى أصفر إلى أسود بحسب اختلاف المرعى .
التفسير:
{ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} .
جاء الحديث في الآية السابقة ، عن إلهام النحل:أن تتخذ بيوتها من بعض الجبال ،ومن بعض الأشجار ،وفوق العروش التي يصنعها الإنسان ،فليس كل جبل صالحا لحياة النحل ،ولهذا جاءت من التبعيضية ،أي: اتخذي من بعض الجبال .
وهنا أباح الأكل من جميع ما تشتهيه ،وما تحب أكله من الثمرات ،{ثم كلي من كل الثمرات} . أي: الحلو والمز والحامض والحريف ،ويتحول بقدرة القادر إلى شهد .
{فاسلكي سبل ربك ذللا} . أي:سيري في الطرق التي ألهمك الله أن تسلكيها ،وتدخلي فيها لطلب الثمار ،ولا تعسر عليك وإن توعرت ،ولا تضلي عن العودة منها وإن بعدت .
والخلاصة: سيري في الطرق والمسارات التي ذللها الله لك ،ويسر لك السير فيها ،والعودة منها إلى منزلك ،أو سيري حال كونك مذللة لله مسخرة منقادة لخدمة الإنسان .
{يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه} .
كان الحديث عن النحلة فيما سبق ،وهنا اتجه الحديث إلى الناس ؛لإعلامهم بفضل الله عليهم .
والمعنى: يخرج من بطون النحل شراب هو العسل ،متعدد الألوان ،فتارة يكون أبيض ،وأخرى أصفر ،وحينا أحمر ،بحسب اختلاف المرعى .
{فيه شفاء للناس} . أي: إن العسل نافع لكثير من الأمراض ،وكثيرا ما يدخل في تركيب العقاقير والأدوية .
وقد اختلف العلماء في هذا الشفاء ،هل هو عام لكل داء ،أو خاص ببعض الأمراض .
فقالت طائفة: هو على العموم في كل حال ولكل أحد .
وقالت طائفة أخرى: إن ذلك خاص ببعض الأمراض ،ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان ،وليس هذا بأول لفظ خصص في القرآن ،فالقرآن مملوء منه ،ولغة العرب يأتي فيها العام كثيرا بمعنى الخاص ،والخاص بمعنى العام ،ومما يدل على هذا ،أن العسل نكرة في سياق الإثبات ،فلا يكون عاما باتفاق أهل اللسان ،ومحققي أهل الأصول .وتنكيره وإن أريد به التعظيم ،لا يدل إلا على أن فيه شفاء عظيما لمرض أو أمراض ،لا لكل مريض ،فإن تنكير التعظيم لا يفيد العموم .
وحديث البخاري:( إن أخي استطلق بطنه )42 ،يفيد: معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم ،بأن هذا المرض يناسبه العسل ،ولا نستطيع أن نقول: إن جميع الأمراض يناسبها العسل ،بل نقول:العسل مناسب وشفاء لبعض الأمراض ،وينبغي أن نرجع إلى معرفة الأطباء المختصين ،ونتبع مشورتهم ،وأن نمتنع عن أكل العسل إذا أفاد الطبيب:أنه غير مناسب لمرض من الأمراض43 .
{إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} . أي:فيما ذكره الله تعالى من تعداد هذه النعم ،وتسخير النحل وإلهامها: أن تأكل من كل الثمرات ،وأن تتخذ البيوت من الجبال والشجر والعروش ، وتيسير نظامها وعملها وخروج العسل منها ؛ليكون شفاء للناس ؛في كل ما ذكر آيات ودلائل واضحات ،لقوم يتفكرون ويتأملون ،ويشهدون بأن كل ذلك من صنع الإله الواحد الأحد ،الذي ليس كمثله شيء ،وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ،ولا تصح الألوهية إلا له .
ملحق بتفسير الآية
تتبع علماء المواليد أحوال النحل ،وكتبوا فيها المؤلفات ،بكل اللغات ،وخصصوا لها مجلات تنشر أطوارها وأحوالها ،وقد وصلوا من ذلك إلى أمور:
( أ ) أنها تعيش جماعات كبيرة ،قد يصل عدد بعضها نحو خمسين ألف نحلة ،وتسكن كل جماعة منها في بيت خاص يسمى: خلية .
( ب ) أن كل خلية يكون فيها نحلة واحدة كبيرة تسمى: الملكة أو اليعسوب ،وهي أكبرهم جثة وأمرها نافذ فيهم ،وعدد يتراوح بين أربعمائة وخمسمائة يسمى الذكور ،وعدد آخر من خمسة عشر ألفا إلى خمسين ألف نحلة ،ويسمى: الشغالات أو العاملات .
( ج ) تعيش هذه الفصائل الثلاث في كل خلية عيشة تعاونية على أدق ما يكون نظاما ،فعلى الملكة وحدها وضع البيض ،الذي يخرج منه نحل الخلية كلها فهي أم النحل ،وعلى الذكور تلقيح الملكات وليس لها عمل آخر ،وعلى الشغالة خدمة الخلية ،وخدمة الملكات ،وخدمة الذكور ،فتنطلق في المزارع طول النهار لجمع رحيق الأزهار ،ثم تعود إلى الخلية فتفرز عسلا ،يغذى به سكان الخلية صغارا وكبارا ...كما عليها أن تنظف الخلية ،وتخفق بأجنحتها لتساعد على تهويتها ،وعليها أيضا الدفاع عن المملكة ،وحراستها من الأعداء ،كالنمل والزنابير وبعض الطيور .
من هدى السنة
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري:أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:إن أخي استطلق بطنه ،فقال له رسول الله:( اسقه عسلا ) فسقاه عسلا ،ثم جاء فقال يا رسول الله ،سقيته عسلا ، فما زاده إلا استطلاقا ،قال:( اذهب فاسقه عسلا ) ،فذهب فسقاه عسلا ،ثم جاء فقال: يا رسول الله ،ما زاده ذلك إلا استطلاقا ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صدق الله وكذب بطن أخيك ، اذهب فاسقه عسلا ) فذهب فسقاه عسلا فبرئ44 .
وعلّل هذا بعض الأطباء الماضين ،قال:
كان لدى هذا الرجل فضلات في المعدة ،فلما سقاه عسلا ؛ تحللت فأسرعت إلى الخروج فزاد إسهاله ،فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو فائدة لأخيه ،ثم سقاه فازداد التحلل والدفع ،وكلما سقاه حدث مثل هذا ، حتى اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن ، فاستمسك بطنه ،وصلح مزاجه ،وزالت الآلام والأسقام ،بإرشاده عليه السلام .
وروى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( الشفاء في ثلاثة: شرطة محجم ،أو شربة عسل ،أو كية بنار ،وأنهي أمتي عن الكي )45 .
وروى البخاري أيضا عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( إن كان في شيء من أدويتكم ،أو يكون في شيء من أدويتكم خير ،ففي شرطة محجم ،أو شربة عسل ،أو لذعة بنار توافق الداء ،وما أحب أن أكوى )46 .
وقد تحدث الأطباء في القديم والحديث عن فضل العسل وأهميته في علاج بعض الأمراض ،وذكروا أن التركيب الكيماوي للعسل كما يلي:
من 25: 40% جلوكوز .
من 30: 45% ليفيلوز .
من 15: 25% ماء .
والجلوكوز الموجود في العسل بنسبة أكثر من أي غذاء آخر ،وهو سلاح الطبيب في أغلب الأمراض ،واستعماله في ازدياد مستمر بتقدم الطب ،فيعطى بالفم ،وبالحقن الشرجية ،وتحت الجلد ،وفي الوريد ويعطى بصفته مقويا ومغذيا ،وضد التسمم الناشئ من أمراض أعضاء الجسم ،مثل: التسمم البولي الناشئ من أمراض الكبد ،والاضطرابات المعدية والمعوية ،وضد التسمم في الحميات ،مثل:التيفويد والالتهاب الرئوي ،والسحائي ،والمخي ،والحصبة ،وفي حالات ضعف القلب ،وحالات الذبحة الصدرية ،وبصفة خاصة في الارتشاحات العمومية الناشئة من التهابات الكلي الحادة وفي احتقان المخ ،وفي الأورام المخية ..الخ47 .