قوله تعالى: ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ( 8 ) وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ( 9 )} هذه الأسماء: ( والخيل والبغال والحمير ) منصوبة ؛لأنها معطوفة على قوله: ( والأنعام خلقها لكم ) والتقدير: وخلق الخيل والبغال والحمير .( وزينة ) ،منصوب بفعل مقدر وتقديره: وجعلها زينة .وقيل: منصوب ؛لأنه مفعول له ؛أي للزينة{[2498]} ( والخيل ) ،اسم جنس للفرس وليس له مفرد من لفظه .وذلك كالإبل .
قوله: ( والبغال والحمير ) البغال جمع بغل وهو معروف .وكذا الحمير ،جمع حمار .فقد خلق الله هذه البهائم مضافة إلى الأنعام ؛ليكون سائر ذلك مذللا للناس كيما ينتفعوا به ويستفيدوا منه على اختلاف وجوه المنافع والفوائد .
ومن جملة المنافع المستفادة من هذه البهائم والدواب: ركوبها ،وحمل الأثقال على ظهورها ،والتزين بها .
والتزين المستفاد من بهيمة البغال والحمير كان ظاهرة معروفة ومألوفة لدى الأمم السابقة سواء الأمة التي تنزل عليها القرآن ،أو من تبعها من الأمم والأجيال .لقد كانت ظاهرة التزين بهذا الصنف من البهائم مستطابة ومرغوبة لحاجة الناس إذ ذاك إليها . وبعد تقلص الحاجة إلى الانتفاع ببهائم الخيل والبغال والحمير ؛فإنه لا ينبغي التقليل من أهمية هذه البهائم من حيث الصورة والمنظر .لا جرم أن بهيمة الخيل والبغال والحمير تثير في ذهن المتدبر البصير التفكر في عظمة الخالق الذي برأ الخلائق على اختلاف أشكالها وأجسامها وهيئاتها وصورها ؛فما ينظر المرء إلى أي صنف من أصناف الدواب والبهائم ،ومنها الخيل والبغال والحمير إلا ويستثار فيه الإعجاب والرغبة في إطالة النظر وروعة التملي لجمال الصور التي جاءت عليها هاتيك الأحياء العجاب .
قوله: ( ويخلق ما لا تعلمون ) يخلق الله غير ما ذكر من أصناف النعم والبهائم سواء كان ذلك في سمائه مما لا نعلم عن عجيب خلقه الكثير الباهر .أو في الأرض من مختلف الخلائق والكائنات مما نعلم ومما لا نعلم .الله قادر على إيجاد ما يشاء من خلق مما ليس له مثال أو نظير ؛فهو سبحانه الظاهر القاهر القادر على صنع ما يشاء في الطبيعة أو الأحياء أو الكائنات على اختلاف أنواعها وأشكالها .
ولدى الحديث عما لا نعلم ؛فإنه يلزم التدبر في قوله عز وعلا: ( علم الإنسان ما لم يعلم ) لقد رزق الله الإنسان عقله ،فكان سببا فيما وصلت إليه البشرية في عصرها الراهن من عجيب المخترعات والصناعات العلمية ،ما بين حافلة نارية تقطع القفار والأمصار والبراري في سهولة ولين ويسر .أو سفينة تمخر عباب البحر لتحمل على متنها الأحمال الهائلة الثقال .أو طائر تجوب أجواز الفضاء في سرعة مذهلة تفوق سرعة الصوت إلى غير ذلك من ضروب المخترعات العلمية الحديثة ؛فإن ذلك وغيره في زماننا هذا أو بعده لهو من إفرازات القدرة العقلية العظيمة التي امتن الله بها على الإنسان ؛فالله جل وعلا لهو المتفضل المنان الذي أودع في الإنسان عقله ليكون سبيلا لتحقيق هذه المنجزات العلمية المثيرة مما نعلم ومما لا نعلم .