/م3
ثمّ يعرج على نوع آخر من الحيوانات ،يستفيد الإِنسان منها في تنقلاته ،فيقول: ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) .
و«زينة » هنا ليست كلمة زائدة أو عابرة بقدر ما تعبر عن واقع الزينة في مفهومها الصحيح ،وما لها من أثر على ظاهر الحياة الاجتماعية .
ولأجل الإِيضاح بشكل أقرب نقول: لو قطع شخص طريقاً صحراوياً طويلا مشياً على الأقدام ،فكيف سيصل مقصده ؟سيصله وهو متعب خائر القوى ،ولا يقوى على القيام بأي نشاط .
أمّا إذا ما استعمل وسيلة مريحة سريعة في سفره ،فإنّهوالحال هذهسيصل إلى مقصده وقد كسب الوقت ،ولم يهدر طاقاته ،وحافظ على النشاط والقدرة على قضاء حوائجه ...بعد كل هذا ،أوَ ليس ذلك زينة ؟!
وتأتي الإِشارة في ذيل الآية إلى ما سيصل إِليه مآل الإِنسان في الحصول على الوسائط النقلية المدنية من غير الحيوانات ،فيقول: ( ويخلق ما لا تعلمون )من المراكب ووسائل النقل .
وبعض قدماء المفسّرين اعتبر هذا المقطع من الآية إِشارة إلى حيوانات ستخلق في المستقبل ليستعملها الإِنسان في تنقلاته .
وورد في تفسير ( المراغي ) وتفسير ( في ظلال القرآن ) أنّ درك مفهوم هذه الجملة أسهل لنا ونحن نعيش في عصر السيارة ووسائل النقل السريعة الأُخرى .
وعند ما تعبّر الآية بكلمة «يخلق » فذلك لأنّ الإِنسان في اختراعه لتلك الوسائل ليس هو الخالق لها ،بل إنّ المواد الأولية اللازمة للاختراعات ،مخلوقة وموجودة بين أيدينا وما على الإِنسان إِلاّ أنْ يستعمل ما وهبه اللّه من قدرة على الاختراع لما أودع فيه من استعداد وقابلية بتشكيل وتركيب تلك المواد على هيئة يمكن من خلالها أن تعطي شيئاً آخر يفيد الإِنسان .
أهمية الزراعة والثروة الحيوانية:
على الرغم من انتشار الآلات الإِنتاجية في جميع مرافق الحياة ،كما هو حاصل في يومنا ،إِلاّ أن الزراعة وتربية الحيوانات تبقى متصدرة لقائمة المنتوجات من حيث الأهمية في حياة الإِنسان ،لأنّهما مصدر الغذاء ،ولا حياة بدونه .
حتى أنّ الاكتفاء الذاتي في مجالي الزراعة والثروة الحيوانية يعتبر الدعامة الرئيسية لضمان الإِستقلالين الإِقصادي والسياسي إلى حدّ كبير .
ولذلك نرى شعوب العالم تسعى جاهدة لإِيصال زراعتها وثروتها الحيوانية لأعلى المستويات مستفيدة من التقدم التقني الحاصل .
والحاجة لأي من هذين الإِنتاجين الأساسيين من الخطورة والأهمية البالغة ما يجعل دولة عظمى كروسيا تمد يد العوز وتعطي بعض التنازلات السياسية لدول متباينة معها في الخط السياسي العقائدي لإضطرارها لتأمين احتياجاتها !
وأعطت التعاليم الإِسلامية أهمية خاصة للإِنتاج الحيواني والزراعة بالحث والترغيب لغور غمار هذه العملية المعطاءة .
فقد رأينا كيف عرضت الآيات السابقة وبلحن مشوق حركة الأنعام ومنافعها للترغيب فيها .
وسيأتي الحديث إِنّ شاء اللّه في الآيات القادمة عن أهمية الزراعة ومنافع الثمار المختلفة .
ونورد هنا ( ومن مصادر مختلفة ) بعض الرّوايات التي تخص موضوعنا وما جاءت به من تعبيرات جميلة .
1عن أبي جعفر( عليه السلام ) أنّه قال: «قال النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعمته: ما يمنعك من أن تتخذي في بيتك ببركة ؟
فقالت: يا رسول اللّه ما البركة ؟
فقال: شاة تحلب ،فإِنّه مَنْ كانت في داره شاة تحلب أو نعجة أو بقرة فبركات كلّهن »{[2055]} .
2وروي عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال في الغنم: «نعم المال الشاة »{[2056]} .
3وفي تفسير نور الثقلين ،في تفسير الآيات مورد البحث ،روي عن أمير المؤمنين علي( عليه السلام ) أنّه قال: «أفضل ما يتخذه الرجل في منزله لعياله الشاة ،فمن كان في منزله شاة قدست عليه الملائكة مرّتين في كل يوم » .
ولا ينبغي الغفلة عن أنّ الكثير من بيوت المدن غير صالحة لتربية الأغنام ،والهدف الأصلي من إِشارة الرّوايات هو إِنتاج ما يحتاج إِليه الناس على الدوامفتأمل .
4ويكفينا ما قال أمير المؤمنين علي( عليه السلام ) في أهمية الزّراعة: «مَنْ وجد ماءً وتراباً ثمّ افتقر فأبعده اللّه »{[2057]} .
وبديهي انطباق هذا الحديث على الفرد والأُمّة معاً ،فالشعب الذي لديه مستلزمات الزراعة بشكل كاف ومع ذلك يمد يده لطلب المساعدة إلى الآخرين ،فهو مَبعد عن رحمة اللّه بلا إِشكال .
5روي عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: «عليكم بالغنم والحرث فإِنّهما يروحان بخير ويغدوان بخير »{[2058]} .
6وروي عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) أنّه قال: «ما في الأعمال شيء أحبّ إلى اللّه من الزراعة »{[2059]} .
7وأخيراً نقرأ في حديث روي عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) ما يلي: «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيباً أخرجه اللّه عزَّ وجلّ ،وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة ،يدعون المباركين »{[2060]} .