التّفسير
كل شيء في خدمة الإِنسان !
بعد ذكر مختلف النعم في الآيات السابقة ،تشير هذه الآيات إلى نعم أُخرى ...فتشير أوّلاً إلى نعمة معنوية عاليةً في مرماها ( وعلى اللّه قصد السبيل )
أيْ عليه سبحانه سلامة الصراط المستقيم وهو الحافظ له من كل انحراف ،وقد وضعه في متناول الإِنسان .
«القصد »: بمعنى صفاء واستواء الطريق ،فيكون معنى «قصد السبيل » الصراط المستقيم الذي ليس فيه ضلال ولا انحراف{[2061]} .
ولكن أي النحوين من الصراط المستقيم هو المراد ،التكويني أم التشريعي ؟
اختلف المفسّرون في ذلك ،إِلاّ أنّه لا مانع من قصد الجانبين معاً .
توضيح:
جهّزَ اللَّهُ الإَنسان بقوى متنوعة وأعطاه من القوى والقابليات المختلفة ما يعينه على سلوكه نحو الكمال الذي هو الهدف من خلقه .
وكما أنّ بقية المخلوقات قد أُودعت فيها قوىً وغرائز توصلها إلى هدفها ،إِلاّ أنّ الإِنسان يمتاز عليها بالإِرادة وبحرية الاختيار فيما يريده ،ولهذا فلا قياس بين الخط التصاعدي لتكامل الإِنسان وبقية الأحياء الأُخرى .
فقد هدى اللّهُ الإِنسان بالعقل والقدرة وبقية القوى التكوينية التي تعينه للسير على الصراط المستقيم .
كما أرسل له الأنبياء والوحي السماوي وأعطاه التعليمات الكافية والقوانين اللازمة للمضي بهدي التشريع الرّباني في تكملة مشوار المسيرة ،وترك باقي السبل المنحرفة .
ومن لطيف الأسلوب القرآني جعل الأمر المذكور في الآية فريضةً عليه جل شأنه فقال: ( على اللّه ) ،وكثيراً ما نجد مثل هذه الصيغة في الآيات القرآنية ،كما في الآية ( 12 ) من سورة الليل ( إِنّ علينا للهدى ) ،ولو دققنا النظر في سعة مدلول ( على اللّه قصد السبيل ) وما أُودع في الإِنسان من هدي تكويني وتشريعي لأجل ذلك لأدركنا عظمة هذه النعمة وما لها من الفضل على بقية النعم .
ثمّ يحذر الباري جل شأنه الإِنسانَ من وجود سبل منحرفة كثيرة: ( ومنها جائر ){[2062]} .
وبما أن نعمة الإِرادة وحرية الاختيار في الإِنسان من أهم عوامل التكامل فيه ،فقد أشارت إليها الآية بجملته قصيرة: ( ولو شاء لهداكم أجمعين ) ولا تستطيعون عندها غير ما يريد اللّه .
إِلاّ أنّه سبحانه لم يفعل ذلك ،لأنّ الهداية الجبرية لا تسمو بالإِنسان إلى درجات التكامل والفخر ،فأعطاه حرية الاختيار ليسير في الطريق بنفسه كي يصل لأعلى ما يمكن الوصول إِليه من درجات الرفعة والكمال .
كما تشير الآية إلى حقيقة أُخرى مفادها أنّ سلوك البعض للطريق الجائز والصراط المنحرف ينبغي أن لا يوجد عند البعض توهماً أنّ اللّه مغلوب ( سبحانه وتعالى ) أمام هؤلاء ،بل إِنّ مشيئته جل اسمه ومقتضى حكمته دعت لأن يكون الإِنسان حراً في اختياره ما يريد من السبل .
/خ13