{قَصْدُ السَّبِيلِ}: الطريق المستقيم .
الله يهدي إلى الطريق المستقيم
{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} والقصدكما ذكره الراغب وغيرهاستقامة الطريق[ 1] وهو كونه قيّماً على سالكيه يوصلهم إلى الغاية .وربما كان من إضافة الصفة إلى الموصوف ،أي السبيل القاصد ،أي الطريق المستقيم ،وقد نسبه الله إلى نفسه ،لأن الهداية منه ،في ما أودعه في الفطرة من استعداد ،وما منحه من وسائلها الحسية والمعنوية التي إذا استعملها الإنسان اهتدى إلى الصراط المستقيم ،ولكن السبيل ليست منحصرة بالخط المستقيم الذي يهدي الله الناس إليه ،بل هناك نوع آخر منه{وَمِنْهَا جَآئِرٌ} منحرف عن خط الاستقامة في ما يتحرك فيه الناس بتزيين الشيطان وتسويله وخداعه وتضليله الذي ينحرف بهم إلى الكفر والضلال والبغي والطغيان .
وقد جاء حديث الله عن الطريق المستقيم والطريق المنحرف ،بمناسبة الحديث عن الإعداد الإلهيّ الدواب لتسهيل الوصول إلى البلاد البعيدة ،حيث يبلغ الناس عندها غاياتهم التي يستريحون إليها .وقد نسب الله السبيل القاصد إليه ،لأنه هو الذي تلتقي عنده كل وسائل الهداية ،وترجع إليه كل أسبابها ،بما لا يلغي عملية الاختيار لدى الإنسان .أمّا الانحراف عن الطريق ،فإنه يمثل عدم الأخذ بأسباب الهداية ،ما يجعلها حالةً إنسانيةً مرضيةً ،يتحمل الإنسان مسؤوليتها ،وإن كانت مقدماتها بيد الله ،مما يمكن نسبة الفعل إليه في بعض الآيات على سبيل المجاز .
وقد أفاض الكلاميون في استنطاق المعنى الحرفي للآية ،في مسألة الجبر والاختيار ،وفي نسبة الإيمان إلى الله ،والضلال إلى الإنسان ،بما لا مجال للإفاضة فيه هنا ،لأننا قد تحدثنا عن حرية الإرادة للإنسان في أكثر من موقعٍ في معرض تفسير الآيات المتعلقة بهذا الموضوع ،وأشرنا إلى أن التأكيد على الجانب الحرفيّ للكلمة دائماً ،يبعد القرآن عن روعة التعبير وجماله وبلاغته ،في كثير من الأحيان ،حيث لا يتحرك المفسرون من استيحاءٍ للقرآن في ما هو ظاهر فيه ،بل ينطلقون من استيحاءٍ له ،في ما يتبنونه من مواقف وآراء ليخضعوه لذلك ،ولو جاء التفسير على حساب جانب البلاغة في القرآن .
{وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ولكنه أراد لكم أن تسيروا في الطريق المستقيم الذي أوضحه لكم وأعدّ كل وسائله ،من موقع الاختيار ،كما حمّلكم مسؤولية اختياركم الطريق المنحرف ،لتواجهوا النتائج الإيجابية أو النتائج السلبية ،في هذا أو ذاك ،في الدنيا والآخرة .