{تُسِيمُونَ}: سامت الماشية إذا رعت ،أي ترعون أنعامكم من النبات من غير كلفة .
بعض ما أودع الله في الكون من النعم
ويستمر الأسلوب القرآني في تربية الإنسان على تنمية التصور الفكري والروحي لعقيدة التوحيد ،من خلال ما أودعه الله في الكون من مواقع نعمه وأسرار عظمته ،في ما يريد الله له أن يفكر به ،ويحرك عقله في آفاقه ،ويهتدي به ،ويتذكر ما يقبل عليه من مصير وما يجب أن يواجهه من مسؤولية .
وتلك هي قصة التربية القرآنية التي تؤكددائماًعلى الفكر أن يتحرك ،وعلى العقل أن يناقش ،ليكون سبيلاً للهداية ،ومنطلقاً للوعي والتذكّر ،فيستنطق كل ما حوله ،وكل من حوله ،في عملية استيحاءٍ واستذكارٍ ،واستنتاجٍ للفكرة الهادية والخط المستقيم ،فلا يكون البصر مصدر استمتاعٍ للّهو ،بل مصدر معرفةٍ للعبرة ،ولا تكون الأشياء المحيطة به أو الموجودة أمامه ،مجرد جوامد في معطياتها الفكرية والروحية ،بل يتحوّل الكون بذلك إلى مدرسةٍ فكرية وروحيةٍ ،تغني التجربة ،وتمد الفكر بكل ألوان التصور في جانب الفكر والعقيدة ،وتوجّه الإنسان إلى المنهج الذي يجعل من العقيدة حالةً حيّة في الواقع ،بدلاً من أن تكون حالةً جامدة في الطريقة النظرية في التفكير .
نعمة الماء على الإنسان
{هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً لَّكُم} لتستفيدوا منه في تنمية حياتكم وتطويرها{مَّنْهُ شَرَابٌ} تشربون منه ،أنتم وأنعامكم ،وكل شيءٍ حيٍّ يحتاج إلى الماء في استمرار وجوده{وَمِنْهُ شَجَرٌ} ترتوي بذورها الأولى بالماء فتنمو ،وتمتد جذورها في الأرض ،وترتفع أغصانها في الفضاء ،وتتدلّى أثمارها من الأغصان ،{فِيهِ تُسِيمُونَ} من السوم وهو رعي الماشية ،التي تتغذّى بأوراق الشجر ،لتكون غذاءً لكم بعد نموّها وقوّتها .ويفصّل القرآن هنا في شأن النبات الذي يستمد قدرته على الحياة والنموّ والامتداد من الماء الذي أنزله الله لتكون منه حياة كل شيء