عاد سبحانه وتعالى من بعد أن بين أن الله سن طريق الهداية وهو طريق الفطرة ، وأن الناس يجورون بالطريق فيرتكبون ما لا يجوز ، بعد ذلك بين النعم العادية الداعية إلى الشكر لمن أراد الحق وسلك سبيله ، فقال تعالى:{ هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ( 10 )} .
الضمير يعود إلى الله جل جلاله ؛ لأنه حاضر دائما ، ولأنه المتحدث عنه القرآن دائما ، ولأن القرآن كتابه ، فهو منه والقرآن هو الذكر الحكيم .
الماء هو الصلة التي تصل السماء بالأرض فمنها ينزل المطر إلى الأرض ، وقد ذكر سبحانه وتعالى نعمتين جليلتين فيه:
أولاهما – أن منه الشرب ، ورى الأبدان ، وقد عبر سبحانه بقوله تعالى:{ لكم منه شراب} ، وقال سبحانه:{ لكم منه شراب} ، أي أن الماء لكم منه شراب ، تشربونه وتدفعون به العطش ، وعبر سبحانه بقوله تعالى لكم منه شراب ليشمل شربه ريا وسقيا ، ويشمل اتخاذه محلى بمادة من مواد الحلوى ، وليشمل الشراب الذي يكون من النبات والكروم غير المتخمر ، فإن الماء أصل ذلك كله .
وثانيتهما – أن{ ومنه شجر فيه تسيمون} ، والشجر يطلق على كل نبات سواء أكان زرا ينتج حبا متراكما ، أم كان غرسا لكل ذلك يسمى ، وقد ذكر البيضاوي شعرا في ذلك ، وهو:
يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر
فالشجر الذي يعز في علف الخيل هو الزرع لا الغراس .
ومعنى قوله تعالى:{ تسيمون} من أسام الماشية إذا رعاها ، وجعلها تطلب أماكن الكلأ والرعي ، وأصلها من المسومة ، وهي العلامة التي تكون قطع الكلأ ، ورعى النعم له .
وإن هذه بلا ريب نعم تستحق الشكر ، فهل تشكرون .