نعم الله تعالى في المطر والشمس والقمر والبحار
يقول الله تعالى الأمور الحسية بالمعنوية ، فيذكر الحسي أولا ، ثم يتجاوزه إلى المعنوي ، وقد يكون ذلك في جملتين متصلتين سببية أو وصفية ، كما قال تعالى:{. . .وتزودوا فإن خير الزاد التقوى . . .( 198 )} [ البقرة] ، فصدر القول التزود في الحج بزاد الدنيا ، وجاء في التعليل الزاد المعنوي ، وذلك ليجمع بينهما ، وكما قال تعالى:{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير . . .( 26 )} [ الأعراف] .
وقد ذكر سبحانه في الآيات السابقة ركوب الخيل والبغال والحمير وزينتها وأن الله يخلق ما لا نعلم من نزل فيهم القرآن ، وقد خلق السيارة والطيارة ، وقد أخرج روائع الأرض إلى السماء ، حتى يصل الإنسان إلى الأفلاك ومواقع النجوم .
ذكر سبحانه تلك النعم المادية ، وذكر بعدها المسالك المعنوية الهداية ، والشقوة ، فقال تعالى:{ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر} .
القصد مصدر بمعنى اسم الفاعل ، والقصد والقاصد معناهما مستقيم لا انحراف فيه ، وطيب لا سوء فيه ثم إنه كما قال تعالى:{ لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لأتبعوك . . .( 42 )} [ التوبة] .
ومعنى{ وعلى الله قصد السبيل} ، أي على الله بيان السبيل المستقيم الموصل إلى الحق ، ومعنى بيانها إقامة البنيان والأعلام الدالة على الطرق وإرسال الرسل للهداية وقد وهب إليهم القلوب المدركة للحق بفطرتها .
وحذفت ( بيان ) ، وبقيت كلمة ( قصد ) نظرا إلى المضاف ، للإشارة إلى أن الطريق القاصد هو بنفسه هاد ، ذلك لأن النفوس المفطورة على فطرة الله تعالى الحق وحده يهديها ويرشدها .
وليس معنى أن قصد الطريق على الله أنه لازم عليه ، بمعنى أنه واجب عليه ، فالله تعالى لا يجب عليه شيء وليس في الوجود من يوجب عليه شيئا ، سبحانه وتعالى ، وإنما كتب الله تعالى على نفسه أن يضع لهم أسباب العلم والهداية ودراية الحق ليسلكوا مختارين ، فليس فيه إلزام على الله ، كما أنه ليس فيه جبر للعباد .
{ ومنها جائر} ، ( جائر ) أي مائل منحرف حاشد ، ليس بمستقيم ، والضمير في ( منها ) يعود إلى السبيل وهي الطريق ، وتؤنث . وذكر هذه الجملة بعد الأولى يدل على أن الأصل هو الاستقامة ؛ لأن الفطرة مستقيمة بذاتها ، والانحراف من تسلط الشياطين بتسليط الأهواء ، والشهوات .
وإن هذين الخبرين يدلان على أن الناس فيهم المستقيم ، والمنحرف الجائر الحائد عن الطريق ، وإن الله تعالى قد وضع للفريقين أسباب الهداية والصواب لعلمنه القصد ، فمنهم سلك القاصد ومنهم من انحرف عن الطريق السوي:{ ولو شاء لهداكم أجمعين} ، أي لو شاء أن تكونوا جميعا على سواء في الرشاد ، لهداكم أجمعين بأن جعلكم جميعا تسلكون سبل الهداية ، وأنتم مختارون غير مجبورين كما قال تعالى:{ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها . . .( 13 )} [ السجدة] .