قوله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ} .
اعلم أولاًأن قصد السبيل: هو الطريق المستقيم القاصد ،الذي لا اعوجاج فيه ،وهذا المعنى معروف في كلام العرب .ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله*** وعرى أفراس الصبا ورواحله
وأقصرت عما تعلمين وسددت*** علي سوى قصد السبيل معادله
وقول امرىء القيس:
ومن الطريقة جائر وهدى ***قصد السبيل ومنه ذو دخل
فإذا علمت ذلك فاعلم: أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء ،وكل منهما مصداق في كتاب الله ،إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر .
الأول منهماأن معنى{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}: أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله ،أي موصلة إليه ،ليست حائدة ،ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته .{وَمِنْهَا جَآئِرٌ}: أي من الطريق جائر لا يصل إلى الله ،بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه .ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [ الأنعام:153] ،وقوله:{وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [ يس:61] .
ويؤيد هذا التفسير قوله بعده:{وَمِنْهَا جَآئِرٌ} وهذا الوجه أظهر عندي .واستظهره ابن كثير وغيره ،وهو قول مجاهد .
الوجه الثانيأن معنى الآية الكريمة:{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} أي عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله .
ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [ النساء:165] ،وقوله:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [ الإسراء:15] ،وقوله:{فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [ التغابن:12] إلى غير ذلك من الآيات .
وعلى هذا القول ،فمعنى قوله:{وَمِنْهَا جَآئِرٌ} غير واضح ،لأن المعنى: ومن الطريق جائر عن الحق ،وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه .والجائر: المائل عن طريق الحق .والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله:{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [ الليل:12] الآية .
قوله تعالى:{وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [ 9] .
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين .وأوضح هذا المعنى في آيات أخر ،كقوله:{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [ الأنعام:35] ،وقوله:{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [ السجدة:13] الآية ،وقوله:{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ} [ الأنعام:107] ،وقوله:{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [ يونس:99] الآية ،وقوله:{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ...} [ هود:11] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .وقد قدمنا هذا في سورة يونس .