قوله: ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم واحد ) لست أنا إلا بشرا مثلكم ولا علم لي بالغيب ،وما أخبركم إلا بما أعلمني به الله .وقد أخبرتكم عن علوم في الأولين الغابرين كأصحاب الكهف وذي القرنين وما في ذلك من دقائق الأخبار وخفاياها العجيبة .ومثل ذلك لا يعلمه إلا الله أو يوحيه الله لعبد من عباده ؛فقد أوحى إلي بذلك وأنا مبلغكم أن الله واحد لا شريك له ،فلا تعبدوا معه أحدا غيره بل اعبدوه وأطيعوه وأنيبوا إليه .
قوله: ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ذكر عن طاووس في سبب نزول هذه الآية أن رجلا قال: يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يُرى مكاني ؛فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي ( ص ) فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به ،فسكت رسول الله ( ص ) ولم يقل شيئا ،فأنزل الله الآية{[2876]} .
ويستدل من ذلك على فظاعة الإشراك في القصد عند فعل الأفعال فأيما فعل قُصد فيه مع الله أحد غيره فمآله الحبوط والإسقاط ،وهو لا يغني صاحبه شيئا .وإنما شرط القبول للأعمال أن تكون خالصة لوجه الله ولا يبتغي بها فاعلون إلا مرضاة ربهم .أما أن يبتغي بها صاحبها إرضاء ربه وكسب السمعة أو الثناء من الناس ؛فذلك ضرب من ضروب الرياء وهو إشراك في النية أو القصد .
وفي فظاعة الرياء ونكره روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) يرويه عن الله عز وجل أنه قال:"أنا خير الشركاء فمن عمل عملا أشرك فيه غيرى فأنا بريء منه وهو للذي أشرك "وروى الإمام أحمد أيضا عن محمد بن لبيد أن رسول الله ( ص ) قال:"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر "قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟قال"الرياء .يقول الله يوم القيامة إذا جزء الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ".{[2877]}