قوله تعالى:{وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا} الأيقاظ جمع يقظ ويقظان وهو المتنبه .و ( رقود ) ،يعني نيام ،جمع راقد والمخاطب بهذه الآية كل أحد ؛أي أن الناظر إلى هؤلاء الفتية يحسب أنهم يقظون غير نيام ؛لأن عيونهم غير منطبقة بل مفتوحة لكي يمسها الهواء فلا تبلى ،وهم في الحقيقة نيام ؛إذ يقلّبهم الله مرة للجنب الأيمن ،ومرة للجنب الأيسر ؛لأنهم إذا لم يقلبوا تقليبا مستمرا لسوف تأكلهم الأرض أو يأتي عليهم البلى .
قوله: ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ( ذراعيه ) ،منصوب ؛لأنه مفعول لاسم الفاعل ( باسط ) .والوصيد ،معناه الفناء{[2786]} ؛فقد كان كلبهم يربض بفناء الكهف باسطا ذراعيه كعادة الكلاب راقدا مثلهم طيلة هذه السنين .على أن هذا المذكور في الآية كلب على الحقيقة ،وليس المجاز .وقد صحبهم في الخروج والمسير حتى بلغوا الكهف ،وهو مستأنس بهم ،متودد إليهم ،فنالته البركة بفضل هذه الصحبة الكريمة لأناس أطهار كرام .حتى بات يُذكر على ألسنة المؤمنين على مر الزمان .وحسبه تكريما وبركة أن يأتي ذكره في القرآن في معرض الثناء والاحترام .
أما الكلاب عموما فقد نهى الشرع عن اقتنائها لما فيها من نجاسة ،وبسبب إيذائها للناس بنباحها وعقرها .على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة أو جنب .ويستثنى من الكلاب ما كان للصيد أو الحراسة فلا بأس في اقتنائه .
قوله: ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) ( فرارا ) ،منصوب على المصدر .و ( رعبا ) ،منصوب على التمييز ،أو على أنه مفعول ثان ؛فقد ألقى الله المهابة على أصحاب الكهف وهم رقود .مفتحة عيونهم .فلو نظر إليهم أحد لأدبر هاربا مذعورا ولا متلأ قلبه فزعا ،ولغشيه من الخوف ما يغشى المذعورين الوجلين لهول المنظر الرعيب .وقد ألبسهم الله هذه المهابة كيلا يدنوا منهم أحد ولا تلمسهم يد لامس ؛فهم على حالهم هذه حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ،ليكون للناس فيهم آية وعبرة ،وليعلموا أن الله قادر على فعل ما يشاء ؛سواء في ذلك ما انسجم مع الطبيعة في قوانينها الأساسية ،أو ما كان خارقا لقوانين الطبيعة ونواميسها كالذي حصل لأصحاب الكهف الذين ظلوا رقودا سنين طوالا{[2787]} .