قوله تعالى:{وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} .
( تزاور ) ،بالتخفيف ،جملة فعلية في محل نصب على الحال من الشمس{[2782]} ،و ( تزاور ) ،يعني تميل .وهو من الازورار ،والتزاور ،والزور ،بفتح الزاي ،وهو الميل والانحراف .ومنه الزور ،بضم الزاي ؛أي الميل عن الصدق{[2783]} .و ( تقرضهم ) ،من القرض وهو القطع أو الترك .والمعنى: أن أصحاب الكهف كانوا راقدين في كهفهم الذي هيأه الله لهم ويسر لهم أن يأووا إليه ،فكانوا داخله في كلاءة من الأذى والبلى والضرر .ذلك أن الكهف كان على الهيئة التي يستكن فيها هؤلاء الفتية فلا تمسهم الشمس .وهو قوله: ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ) أي أنت أيها المخاطب ترى الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم ذات اليمين ؛أي يمين الكهف ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) تقرضهم من القرض وهو القطع ؛أي إذا غربت الشمس فإنها عند غروبها تتركهم وتعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال ؛أي شمال الكهف .وبعبارة أخرى: فإنها تخلّفهم شمالا وتجاوزهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها{[2784]} ؛فهي بذلك لا تصيبهم عند طلوع الشمس وهو أول النهار ،ولا عند غروبها وهو آخر النهار .
وبذلك قد حفظ الله أصحابه الكهف من أن يقع عليهم ضوء الشمس .ولو وقع عليهم أو أصابهم لفسدت أجسامهم وأتى عليها البلى والتلف ( وهم في فجوة ) أي وهم راقدون في متسع من الكهف لا تصيبهم الشمس فتؤذيهم بلظاها الحارق .وهذه آية من آيات الله تتجلى في مثل هذه الكرامة الربانية التي منّ الله بها على هؤلاء الفتية الأبرار ،بما يكشف عن قدرته سبحانه ؛فهو الحفيظ لعباده المؤمنين به ،المتوكلين عليه ،اللاجئين إلى جنابه ،الهاربين من الفتنة وظلم الأشرار إلى رحابه .وهو جل وعلا ( خير حافظا وهو أرحم الراحمين ) .
قوله: ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) يهدي الله من آمن به وأذعن لأمره وجاهد في سبيله طلبا لرضاه ؛يهديه إلى سبيل الرشاد كأصحاب الكهف .أما ذو الطبع الزائغ المعوج الذي يجنح للجحود وفعل المعاصي فلن يكن له من نصير يهديه أو يرشده{[2785]} .