{تَّزَاوَرُ}: تميل .
{تَّقْرِضُهُمْ}: تعدل عنهم .
{فَجْوَةٍ} متّسع من الأرض .
تدبير إلهي معجز
كيف هو موقع الكهف من الشمس ؟وأين محلّهم فيه ؟وكيف يتمثلون في وضعهم العجيب في رقادهم ؟
هذا ما تمثله الآيتان وتتناوله ،للإيحاء بالتدبير الإلهي المعجز الذي أبقى الحياة في أجسادهم ،وألقى النوم في أجفانهم طيلة هذه المدة الطويلة للاعتبار بذلك في الانفتاح على اللهسبحانهمن موقع الإحساس بعظمته ،والخضوع لآياته .
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طلعت} لو قُدِّر لك أن تكون هناك وتطّلع عليهم ،فإن الصورة ستبرز أمام ناظريك وكل ناظر إليهم ،{تَّزَاوَرُ} أي تنحرف{عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} ،فيقع نورها عليه ،فيتجدد جوّه من خلال نور الشمس ،{وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} أي تعدل عنهم{ذَاتَ الشِّمَالِ} ،فيقع شعاعها عليه ،{وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} أي في مكانٍ واسعٍ منه ،فقد كان كبيراً وله كوّةٌ ينفذ منها الهواء الطيب ونور الشمس ،فوقاهم الله بذلك من تأثير حرارة الشمس عليهم ،في ما يمكن أن تتأثر أجسادهم بذلك بتغيير ألوانهم أو ما يمكن أن تبلى ثيابهم به ...الأمر الذي يكسبهم حالةً مميّزةً في راحة الجسد وتجدُّد الهواء في حركة الشروق والغروب .
{ذلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} وعجائبه التي لم يألفها الناس في ما يشاهدونه من مظاهر الوضع الطبيعي لحركة الحياة في الإنسان ،في هذا التدبير المميز الذي استطاع أن يبقيهم أحياءً في حالة نومٍ طويلٍ ، ٍ من دون غذاءٍ ولا ماءٍ ،وفي ظل ظروفٍ مميزةٍ عجيبةٍ وفرت للحياة الداخلية في الكهف ظروفاً طبيعية تسمح بامتداد الحياة .إنها قدرة الله التي لا يعجزها شيء .
آيات للتفكر
{مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} من خلال ما تتطلبه الهداية الإلهية من الأخذ بأسبابها في توجيه الفكر إلى التأمل ،وتقوية الإرادة على الالتزام بالموقف ،ومواجهة القضايا بالمسؤولية والجدّية ،بالإضافة إلى ما يثيره اللهسبحانهفي روح الإنسان السائر في طريق الهداية من ألطاف روحيّة ،ولمعات فكرية ،تمنحه القوّة والثبات في مواصلة السير على هذا الخط .وهذا ما يريده الله للإنسان ،في انفتاحه على آيات الله التي تثير فيه التساؤل ،وتدفعه إلى البحث ،وتقوده إلى التفكير ،وتوحي له بالقناعات الحاسمة ،لأن هذه المقدمات لا بد من أن توصل إلى النتائج المطلوبة .
{وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} لأن ضلال الإنسان يخضع للفكر اللامسؤول ،الذي يواجه قضايا الفكر والعقيدة والحياة بطريقة غير جدّية ،ويبقى في أجواء العبث واللهو واللامبالاة ،وبذلك يبتعد الإنسان عن مواقع الهدى في الحياة ،فلا يجد له معيناً على السير في الاتجاه الصحيح ،ولا مرشداً يدلّه على طريق الصواب ليضع أقدامه على بدايته ،لأن مسألة الضلال والهدى ،هي مسألة الإنسان في استعداده النفسي والفكري للانفتاح على الحق ،ليبحث فيه ،أو ليستجيب لمن يقوده إليه أو يدله عليه ،لأن عناصر الهدى متوفّرة في كل الساحات ،فمن أخذ بها اهتدى ،ومن لم يأخذ بها ضلّ وربما تركه الله لضلاله .
وقد أشرنا أكثر من مرّة إلى أن نسبة الهدى والضلال إلى الله لا تعني سلبهما عن الإنسان بشكل مباشر ،بل كل ما هناك أنهما يخضعان لقاعدة السببيّة في الأشياء التي تربط المسببات بأسبابها ،في تدبير الله لحركة الإنسان والحياة ،باعتباره السبب الأعمق لكل الأشياء .