{اعْتَزَلْتُمُوهُمْ}: تنحّيتم عنهم .
{مِّرْفَقًا}: المراد بالمرفق هنا كل ما يُنتفع به ،مأخوذ من الرّفق واللطف .
اعتزال كل الآلهة المدعاة
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ اللَّهَ} أي خرجوا من بين الناس واعتزلوا مجتمعهم ،بعد أن فقدوا كل إمكانيةٍ لهدايتهم ،أو الحصول على حريتهم في الدعوة إلى الله ...ما جعل من الاعتزال عنهم ضرورةً وقائيةً ،أو محاولةً للوصول إلى موقعٍ آخر ،يسمح لهم بالالتفاف عليهم من جديد .وهكذا اعتزلوهم وما يعبدون من دون الله ،وكل ما يتصل بهم ،إلا الله الذي لا يمكن لهم إلاّ أن ينفتحوا عليه ،لأنه هو الذي يفتح لهم كل آفاق الخير ،وكل أبواب الفرج .وبذلك كان الاستثناء منقطعاً ،لا متصلاً ،أي إذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله وما يتعلق بهم ،إلا الله فلم تعتزلوه ...كما جاء عن ابن عباس ،في تفسير الآية ،في ما نقله صاحب مجمع البيان .قال ابن عباس: وهذا من قول تمليخا ،وهو رئيس أصحاب الكهف ،قال لهم: فإذا فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانباًيعني عبدة الأصناموفارقتم ما يعبدونأي أصنامهمإلا الله ،فإنكم لن تتركوا عبادته .وهناك احتمال آخر ،وهو أن يكون استثناءً متصلاً ،من الموصول في قوله:{وَمَا يَعْبُدُونَ} لأنهم كانوا لا ينكرون عبادة الله ،ولكنهم يشركون بعبادته غيره ،وبذلك كان اعتزالهم لما يعبدونه من دون الله ،أمّا الله ،فإنهم لا يعتزلونه ،وربما كان ابن عباس ناظراً إلى ذلك ،وربما كان أقرب إلى أجواء السياق في الآية ..
ولكن صاحب تفسير الميزان لا يوافق على هذا الاحتمال ،لأنه «لم يعهد من الوثنيين عبادة الله سبحانه مع عبادة الأصنام ،وفلسفتهم لا تجيز ذلك » .
ولا ندري كيف نوافقه على ذلك ،في الوقت الذي نعرف أن قريشاً الوثنية كانت تعبد الأصنام ليقرّبوها إلى الله زلفى ؟!
{فَأْوُواْ إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ} وينجيكم من القوم الظالمين ،ويفتح لكم أبواب الفرج من عنده ،{وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا} .والمرفق هو الشيء الذي يرتفقون به ،أي يحصلون على الرفق واللطف واليسر من خلاله .
وهكذا دخلوا إلى الكهف ،وألقى الله عليهم النوم الثقيل ،الذي عزلهم عن كل ما حولهم ومن حولهم في حالة موتٍ ،مع وقف التنفيذ .