ثم خاطب بعضهم بعضا بقولهم:
{ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ( 16 )} .
{ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} أي وإذا اعتزلتم القوم ،بترك متابعتهم ،من إفراط ظلمهم ،وهو موجب بغضهم .واعتزلتم معبوداتهم غير الله ،فإنهم كانوا يعبدونهم صريحا أو في ضمن عبادتهم له ،فأووا إلى الكهف الذي لا يطلعون عليكم فيه ،فلا يؤذونكم ،ولا تخافوا ،من الكون فيه ،فوات الطعام والشراب .فإنكم إذا التجأتم إلى الله بعد ما دعوتموه بنشر الرحمة وتهيئة الرشد{ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته} أي ما يغني عن الطعام والشراب ،بالامدادات الملكوتية والتأييدات القدسية{ ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم} وهو اختيار جانبه على جانبكم{ مرفقا} أي ما تنتفعون به .قال المهايمي:يرفق بنفوسكم فيعطيها من لذات عبادته ما ينسيها سائر اللذات .على أن لذاتها لم تخل من أذية .وهذه خالية عن الأذيات كلها .وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى .
تنبيه:
زعم قوم أن الآية تفيد مشروعية العزلة واستحبابها مطلقا .وهو خطأ .فإنها تشير إلى التأسي بأهل الكهف في الاعتزال ،إذا اضطهد المرء في دينه وأريد على الشرك .وممن رد الاحتجاج بهذه الآية على تفضيل العزلة ،الإمام الغزالي حيث قال:في ( إحيائه ):وأهل الكهف لم يعتزل بعضهم بعضا وهم مؤمنون .
وإنما اعتزلوا الكفار .أي ولا ريب في مشروعيته فرارا في الفتن .
فقول السيوطي في ( الإكليل ):في الآية مشروعية العزلة والفرار من الظلمة وسكون الغيران والجبال عند فساد الزمان – كلام مجمل لا بد من التفصيل فيه .وأي عصر خلا من الفساد ؟ وسياق الآية في الاضطهاد فحسب ،فافهم ولا تغل .