هذا دليل على أن باب هذا الكهف من نحو الشمال ؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ) ذات اليمين ) أي:يتقلص الفيء يمنة كما قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة:( تزاور ) أي:تميل ؛ وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان ؛ ولهذا قال:( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) أي:تدخل إلى غارهم من شمال بابه ، وهو من ناحية المشرق ، فدل على صحة ما قلناه ، وهذا بين لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة ، وسير الشمس والقمر والكواكب ، وبيانه أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب ، ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب ، ولا تزاور الفيء يمينا ولا شمالا ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع ، بل بعد الزوال ولم تزل فيه إلى الغروب . فتعين ما ذكرناه ولله الحمد .
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة:( تقرضهم ) تتركهم .
وقد أخبر الله تعالى بذلك وأراد منا فهمه وتدبره ، ولم يخبرنا بمكان هذا الكهف في أي البلاد من الأرض ؛ إذ لا فائدة لنا فيه ولا قصد شرعي . وقد تكلف بعض المفسرين فذكروا فيه أقوالا فتقدم عن ابن عباس أنه قال:[ هو] قريب من أيلة . وقال ابن إسحاق:هو عند نينوى . وقيل:ببلاد الروم . وقيل:ببلاد البلقاء . والله أعلم بأي بلاد الله هو . ولو كان لنا فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله ورسوله إليه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما تركت شيئا يقربكم إلى [ الجنة] ويباعدكم من النار ، إلا وقد أعلمتكم به ". فأعلمنا تعالى بصفته ، ولم يعلمنا بمكانه ، فقال ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ) قال مالك ، عن زيد بن أسلم:تميل ( ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ) أي:في متسع منه داخلا بحيث لا تمسهم ؛ إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم وثيابهم ؛ قاله ابن عباس .
( ذلك من آيات الله ) حيث أرشدهم تعالى إلى هذا الغار الذي جعلهم فيه أحياء ، والشمس والريح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم ؛ ولهذا قال:( ذلك من آيات الله )
ثم قال:( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) أي:هو الذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم ، فإنه من هداه الله اهتدى ، ومن أضله فلا هادي له .