قوله: ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) ( مغرب الشمس ) يراد به منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع .أما مغيبها في العين الحمئة فإن ذلك في إحساس العين ،تغرب في عين حمئة .وهي الطين الأسود{[2859]} .وهكذا الناظر إلى أفق المغرب يرى الشمس كأنما تغيب في البحر .وقد ذكر القرطبي قول القفال عن بعض العلماء قالوا: ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسّها ،لأنها تدور مع السماء حول الأرض{[2860]} من غير أن تلتصق بالأرض .وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ؛بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة ؛بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض .
وقال الرازي في هذا الصدد من تأويل هذه الآية: إنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها ،ولا شك أن الشمس في الفلك .وأيضا قال: ( ووجد عندها قوما ) ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود .وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض .إذا ثبت هذا فنقول تأويل قوله: ( تغرب في عين حمئة ) من وجوه:
الوجه الأول: أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر .
الوجه الثاني: أن للجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط بها البحر ،فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار .ولا شك أن البحار الغربية قوية السخونة ؛فهي حامية ،وهي أيضا حمئة لكثرة ما فيها من الحمأة السوداء والماء .فقوله: ( تغرب في عين حمئة ) إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض قد أحاط به البحر وهو موضع شديد السخونة{[2861]} .
قوله: ( ووجد عندها قوما ) أي وجد عند العين الحمئة أمة من الأمم وكانوا كافرين فخيره الله في قتلهم أو الرفق بهم .
قوله: ( قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) المصدر من قوله: ( أن تعذب ) في موضع نصب بفعل مقدر .وقيل: في موضع رفع على تقدير مبتدأ وخبره محذوف{[2862]} .
ذلك من تمكين الله لذي القرنين ؛إذ أظفره الله على البلاد وخيّره في هؤلاء القوم بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على كفرهم ،وبين أن يحسن إليهم بالإكرام والرفق والمنّ .وقد قيل ذلك على سبيل الإلهام . لكن ذا القرنين اختار أن يعاملهم بالحق والعدل .وهو قوله:{أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا}