{ حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا 86} .
اتجه في سيره إلى غرب بلاده أولا ، لأنها الأقاليم التي تصاقبه ، وإن الحاكم العادل يؤمن أرضه من جيرانه أولا ، ثم يتجه إلى ما بعدها شيئا فشيئا حتى يصل إلى أقصاها ، وكذلك فعل ، ولذا قال تعالى عنه:{ حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة} .
{ الحمئة} أي ذات حمأة ، والحمأ الطين ، كما قال تعالى:{ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون 26} ( الحجر ) .
أي أن الشمس تغرب لترى في عين من الماء حمئة ، أي فيها طين .
وقرئ ( حامية ) ، أي أن هذه العين من الماء حارة شديدة الحرارة ، أو حامية أصلها حامئة ، أي كثيرة الطين وتتلاقى مع قراءة{ حمئة} إذ اللفظ واحد في جملته وإن جرى فيه القلب .
والمراد أن الشمس ترى كأنها غاربة في عين ماء فيها طين ، حمأ ، وما المراد من هذه العين ؟ المراد منها الماء ، ولكن أهو ماء المحيط ، أم البحر ، أم هو ماء نهر ؟ الظاهر لدي أنه ماء النهر ، لا ماء محيط ، لأنه ذكر أنه عين ، وماء العيون في أكثر أحواله ليس ماء ملحا ، وإن كان فهو معدني إلى العذوبة أميل ، ولأنه ذكر أنها عين حمئة ، أي التي اختلط ماؤها بطين ، وتلك تكون في الأنهار لا في البحار .
ومهما يكن فقد كان اتجاهه ونهايته إلى الغرب من آسيا وأصقابها كبلاد البلغار ، ونحوها .
هذا كان اتجاهها إلى الغرب ،{ ووجد عندها قوما} وجد ناسا قد تهيأ لحكمهم فعلمه الله تعالى بإلهام الحكمة نوع الحكم الذي يحكم ، وردد في عقله وقلبه كيف يحكم ،{ قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} ، تردد في قلبه أيحكمهم بالعنف والقسوة ، أو يحكمهم بالرفق ، فمعنى قول الله تعالى بهذا التردد أنه ردد في نفسه وعقله وقلبه بنور الله تعالى أن يكون عمله أحد أمرين ، إما العذاب وإما الإحسان بالتهذيب والإرشاد والتوجيه ، وهذا معنى{ وإما أن تتخذ فيهم حسنا} ، أي إحسانا بالعدل وإقامة القسطاس ومن الشرائع الهادية الموجهة وغير المردية ، والحسن هو ضد القبيح ، واتخاذ الحسن معناه اتخاذ ما ليس بقبيح في ذاته ولا يستنكره عرف ولا عقل ، وهذا هو معنى الإحسان وهو الإتقان وفضل العدل وزيادته .