وقوله:( حتى إذا بلغ مغرب الشمس ) أي:فسلك طريقا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب ، وهو مغرب الأرض . وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر ، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدة والشمس تغرب من ورائه فشيء لا حقيقة له . وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب ، واختلاق زنادقتهم وكذبهم
وقوله:( وجدها تغرب في عين حمئة ) أي:رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه ، وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه .
والحمئة مشتقة على إحدى القراءتين من "الحمأة "وهو الطين ، كما قال تعالى:( إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون ) [ الحجر:28] أي طين أملس . وقد تقدم بيانه .
وقال ابن جرير:حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب حدثني نافع بن أبي نعيم ، سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول:كان ابن عباس يقول ( في عين حمئة ) ثم فسرها:ذات حمأة . قال نافع:وسئل عنها كعب الأحبار فقال:أنتم أعلم بالقرآن مني ، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء .
وكذا روى غير واحد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وغير واحد .
وقال أبو داود الطيالسي:حدثنا محمد بن دينار ، عن سعد بن أوس ، عن مصدع ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه ( حمئة )
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:"وجدها تغرب في عين حامية "يعني حارة . وكذا قال الحسن البصري .
وقال ابن جرير:والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارئ فهو مصيب .
قلت:ولا منافاة بين معنييهما ؛ إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها ، وملاقاتها الشعاع بلا حائل و ( حمئة ) في ماء وطين أسود ، كما قال كعب الأحبار وغيره .
وقال ابن جرير:حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا العوام ، حدثني مولى لعبد الله بن عمرو ، عن عبد الله قال:نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت ، فقال:"في نار الله الحامية [ في نار الله الحامية] ، لولا ما يزعها من أمر الله ، لأحرقت ما على الأرض ".
قلت:ورواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون . وفي صحة رفع هذا الحديث نظر ، ولعله من كلام عبد الله بن عمرو ، من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا حجاج بن حمزة ، حدثنا محمد - يعني ابن بشر - حدثنا عمرو بن ميمون ، أنبأنا ابن حاضر ، أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التي في سورة الكهف "تغرب في عين حامية "قال ابن عباس لمعاوية ما نقرؤها إلا ( حمئة ) فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤها:فقال عبد الله:كما قرأتها . قال ابن عباس:فقلت لمعاوية:في بيتي نزل القرآن ؟ فأرسل إلى كعب فقال له:أين تجد الشمس تغرب في التوراة ؟ [ فقال له كعب:سل أهل العربية ، فإنهم أعلم بها ، وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة] في ماء وطين . وأشار بيده إلى المغرب . قال ابن حاضر:لو أني عندكما أفدتك بكلام تزداد فيه بصيرة في حمئة . قال ابن عباس:وإذا ما هو ؟ قلت:فيما يؤثر من قول تبع ، فيما ذكر به ذا القرنين في تخلقه بالعلم واتباعه إياه:
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب أمر من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها
في عين ذي خلب وثأط حرمد
قال ابن عباس:ما الخلب ؟ قلت:الطين بكلامهم . [ يعني بكلام حمير] . قال:ما الثاط ؟ قلت:الحمأة . قال:فما الحرمد ؟ قلت:الأسود . قال:فدعا ابن عباس رجلا أو غلاما فقال:اكتب ما يقول هذا الرجل .
وقال سعيد بن جبير:بينا ابن عباس يقرأ سورة الكهف فقرأ:( وجدها تغرب في عين حمئة ) فقال كعب:والذي نفس كعب بيده ما سمعت أحدا يقرؤها كما أنزلت في التوراة غير ابن عباس ، فإنا نجدها في التوراة:تغرب في مدرة سوداء .
وقال أبو يعلى الموصلي:حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا هشام بن يوسف قال:في تفسير ابن جريج ( ووجد عندها قوما ) قال:مدينة لها اثنا عشر ألف باب ، لولا أصوات أهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجب .
وقوله:( ووجد عندها قوما ) أي أمة من الأمم ، ذكروا أنها كانت أمة عظيمة من بني آدم .
وقوله:( قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) معنى هذا:أن الله تعالى مكنه منهم وحكمه فيهم ، وأظفره بهم وخيره:إن شاء قتل وسبى ، وإن شاء من أو فدى . فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه