{حَمِئَةٍ}: الحمأ: طين أسود .
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} وهو الموقع الذي ينتهي إليه العمران من جهة الغرب في ما يمكن له أن يبلغه لاصطدامه بحاجزٍ مائّيٍ أو جبليٍّ أو ما إلى ذلك ...{وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وربما كانت كنايةً عن مصبِّ أحد الأنهار ،حيث تكثر الأعشاب ويتجمع حولها طينٌ لزجٌوهو الحمأوتوجد البرك كأنها عيون الماء ،فرأى الشمس تغرب من هناك ،ووجدها تغرب في عين حمئةكما يقول سيد قطبوربما كانت النقطة عند شاطىء المحيط الأطلسي الذي كان يسمى بحر الظلمات ،ويظن أن اليابسة تنتهي عنده ،فرأى الشمس تغرب فيه .
{وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً} استطاع أن يسيطر عليهم بالقوة القاهرة التي كان يملكها ،وأن يحكمها بالمنهج الذي يراه أساساً للحكم ،ولكنه ليس المنهج الذي يتخذ السلطة وسيلةً للقهر أو لأخذ المحسن بذنب المسيء ،أو للعمل على خنق حريتهم ومصادرة إنسانيتهم ،كما يفعل الأقوياء .وهكذا واجه الخيار الذي يقف أمامه في موقع الاختيار بين العذاب الذي يسومهم به ،وبين العفو والتسامح والرحمة التي يعاملهم بها .وهذا هو ما يستوحيه من التعاليم الإلهية المنزلة على الرسل الذين عاصرهم ،أو تقدموا عليه ،وذلك كما لو كان يستمع إلى كلام الله بشكلٍ مباشرٍ ،لأن الإنسان الواعي المنفتح على الرسالة يواجه كلام الله الذي يقرأه أو يسمعه ،كما لو كان يستمع إليه من ربه .
{قُلْنَا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} وفي ضوء ذلك ،فليس من الضروري أن يكون هذا القول من الله وحياً إلهياً ،ليكون ذلك دليلاً على نبوّته ،ولكن ما معنى هذا الخيار ؟هل أن القوم كانوا منحرفين متمردين يستحقون العذاب جزاءً لانحرافهم وتمرّدهم ،أم ربّما كانوا يرجون العفو والمعاملة الحسنة على أساس جهلهم وتخلّفهم ،مما يمكن أن يكون عذراً لهم ،ليكون ذلك وسيلةً من وسائل تراجعهم عن خط الانحراف عندما يعيشون روح التسامح التي تفتح قلوبهم وعقولهم على الخير القادم من الله ؟!ووقف ذو القرنين بين الخيارين ،ولكنه كان يريد أن يواجه المسؤولية من خلال الحكم على الواقع الإنساني الذي عاشه هؤلاء في نتائجه العملية ،فلا بد من دراسة تاريخ حياتهم ،ليعرف ماذا فعلوه من خيرٍ أو شرٍ ،وما مارسوه من صلاح أو فساد ،ليكون ذلك هو الوجه البارز لحركته في حكم المجتمع في نطاق المستقبل في ما يقوم به بشكلٍ مباشرٍ ،وما يمكن أن يقوم به الآخرون من بعده .
ومن جهةٍ ثانيةٍ ،فإن هذا هو الخط المتحرك في النهج الذي يجب أن يحكم سلوكهم في حياتهم العامة والخاصة ،ليكون ذلك هو حركة مسؤوليتهم في ما يواجهون الله به من ذلك .وهذا ما أكدته الآية الكريمة في ما نقلته عن جواب ذي القرنين .