قوله تعالى: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوةالداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) جاء في سبب نزول هذه الآية أن أعرابيا قال: يا رسول الله ( ص ) أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟فسكت النبي ( ص ) فأنزل الله ( وإذا سألك عبادي عني ) .
وقيل سأل أصحاب النبي ( ص ): أين ربنا ؟فأنزل الله الآية .
وقيل انه لما نزلت ( وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم ) قال الناس: لو نعلم أي ساعة ندعو ؟فنزلت ( وإذا سألك عبادي عني ){[242]} .
وروى الإمام أحمد بإسناده عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي ( ص ) أنه قال:"إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يده يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبتين ".
وأخرج أحمد عن أبي سعيد أن النبي ( ص ) قال:"ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته ،وإما أن يدخرها له في الآخرة ،وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها "قالوا: إذا نكثر ،قال:"الله أكثر ".
وروى الإمام مالك بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال:"يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ،يقول دعوت فلم يُستجب لي ".
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي ( ص ) أنه قال:"لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع باثم أو قطيعة رحم ،وما لم يستعجل "قيل: يا رسول الله !وما الاستعجال ،قال::يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عنه ذلك ويدع الدعاء ".
ويستجيب الله للعبد إذ دعاه في غير إثم ولا معصية ،على أن يكون الداعي حاضر الذهن والقلب وأن يكون موقنا بالإجابة .فلا يجدي الدعاء عن ظهر قلب غافل أو كان الداعي مرتابا غير موقن بأن دعاءه مستجاب .وفي يقول الرسول ( ص ) فيما رواه عنه عبد بن عمرو:"القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض ،فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة ،فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل ".
ومن الساعات الكريمة التي تتعاظم فيها أجور الأعمال ويزداد فيها العاملون من الله قربة ،ساعات الصيام في شهر رمضان المبارك ،ولعل أروع الظواهر وأهمها في هذا الشهر المفضل أن يستجيب الله فيه الدعاء ،وبذلك فإن على المؤمن أن يحرص على الدعاء أثناء الصيام دون ملل ؛وذلك لأمرين .
أولهما: أن مجرد الدعاء إلى الله في خشوع وتذلل لهو عبادة عظيمة يكتب فيها الله الأجر للداعي .
وفي أهمية الدعاء وفضله يقول النبي ( ص ):"الدعاء مخ العبادة "{[243]} .
ثانيهما: أن الدعاء في شهر الصيام مستجاب على أن يكون الداعي مستكملا أسباب التقبل من خشوع وطمأنينة وتذلل ويقين بالاستجابة .
وقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله ( ص ) يقول:"للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة "فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا .
وفي حديث آخر رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو أيضا عن النبي ( ص ) قال:"إن الصائم عند فطره دعوة ما ترد ".
وفي رواية لأحمد في مسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( ص ):"ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل ،والصائم حتى يفطر ،ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ".
وقوله: ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) وجاء في تأويل قوله تعالى: ( فليستجيبوا ) أن السين والتاء زائدتان ،واللام لام الأمر .أي فليجيبوا دعوتي إليهم بالطاعة والامتثال ،وليكونوا مؤمنين بي إلها خالقا فردا أحدا صمدا .وفي ذلك ما يسلك بهم سبيل الرشاد ويباعد بينهم وبين الغي والضلال والباطل .وقيل: معناه: فليستجيبوا لي بالطاعة يقال: استجبت له واستجبته بمعنى أجبته .وقيل: فليطيعوا لي .فالاستجابة بمعنى الطاعة .وقيل: فليدعوني{[244]} .