وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( 186 )
إن شهر رمضان شهر التجرد الروحي ، والاتجاه إلى الله تعالى ، فقد كتب الله تعالى علينا صيامه ، وسن صلى الله عليه وسلم قيامه ، وسن صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في المساجد ، وإن المؤمن إذا تجرد ذلك التجرد كان الله تعالى ملء قلبه وناجى ربه سرا وعلانية وذكره خفية وجهرة ، ودعا ربه ضارعا إليه ، وقد وعده الله تعالى بإجابة دعائهإنه قريب منه وإنه مستجيب له لأنه استجاب له ، ولذا قال تعالى:[ و إذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان] وإن العبد إذا أحس بعظمة الله وامتلأ قلبه بخشيته أحس بأنه عونه ، وأنه سنده ، وإن أولئك الذين يشكرون لله تعالى نعمته في شرعه الرخص بجوار العزائم يتجهون إلى الله تعالى وكأنهم يسألون قربه ليصل دعاؤهم فقامت حالهم مقام سؤالهم أو هم سألوا فعلا ولذا قال سبحانه:[ و إذا سألك عبادي عني فإني قريب] جعل سبحانه الشرطية تتعدى بإذاالدالة على تحقق السؤالقد كان بحالهم الخاشعة الضارعة الطالبة ، وقال سبحانه عن السائلين بحال نفوسهم:[ عبادي أي] الذين يشعرون بحق العبودية ويرتضونها طيبة نفوسهم راضية خائفة قلوبهم فإذا سألوك فإني قريب منهم قرب نفوسهم بإحساسهم بمقام العبودية وأنا قريب منهم بالربوبية ثم قال سبحانه عن نتيجة هذا القرب:[ أجيب دعوة الداع إذا دعان] أي أن هذا القرب ليس قرب مكان ولكن قرب إجابة ورضا ورحمة وكأنه سبحانه وتعالى يقول:ادعوني أستجب لكم كما قال في آية أخرى:[ وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين 60] [ غافر] وهذا يدل على أن الدعاء عبادة إذ قال عن الذين لا يدعون:[ إن الذين يستكبرون عن عبادتي]:فالدعاء عبادة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الدعاء مخ العبادة "{[187]} ، وإن الله تعالى يحب دعاء عبيده وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أن الله يحب الملحين في الدعاء "{[188]} ، روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عيه وسلم قال:"من لم يدع الله تعالى غضب عليه "{[189]} .
فالدعاء على هذا عبادة واستغاثة واتجاه إلى الله تعالى كما جاء في المعنى اللغوي فقد جاء في القاموس وشرحه:الدعاء الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير ، والابتهال إليه بالعبادة والاستعانة وبالثناء عليه تعالت ذاته العلية عن الشبيه والمثيل .
و إذا كان ذلك شأن الدعاء ومقامه ، فقد قرب الله الداعين إليه وقال تعالى:[ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون] .
الفاء للإصلاح عن شرط مقدر مضمونه إذا كنت قريبا منهم أجيب دعوتهم إذا دعوني واقبل عبادتهم –إذا كان دعاؤهم عبادة واستغاثة وثناء عليه سبحانه –إذا كنت كذلك بالنسبة لهم فليستجيبوا لي فيما أدعوهم إليه من إقامة للعدل ودفع للظلم ، وإصلاح ذات بينهم ، ومن إفراده بالعبادة والالتجاء إليه . والاستجابة الإجابة بعد معالجة النفس وحملها على الإجابة أو المبالغة في الإجابة بالطاعة والإحسان فيها وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليشعر أنه في رقابة الله تعالى .
قال تعالى:[ وليؤمنوا بي] أي حق الإيمان بأن يؤمنوا بأن الله واحد أحد لا شريك له ، وأن يؤمنوا بقدرته التي أبدعت وخلقت كل شيء فقدرته تقديرا ، وأنه المستعان في الشدائد والملجأ في المكاره ، وليستنوا بسنته في كل أحوالهم ، ولقد قال الله تعالى:[ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون 2] ( الأنفال ) .
ثم بين سبحانه وتعالى أن طاعة الله تعالى في كل ما أمر به ، وينهى عنه ، والإيمان به حق الإيمان هو سبيل الرشاد في هذه الدنيا ، وإدراك حقيقتها وفهمها والإصلاح فيها ، ولذلك قال تعالى:[ لعلهم يرشدون] ، أي يرجون بالإيمان الصادق والالتجاء إليه سبحانه وحده أن يرشدوا بأن يسيروا في طريق الرشاد الذي لا عوج فيه فيصلحون ويصلح الناس بهم ، ويسلكون جميعا طريق الهداية والله يهدي من يشاء .