أما الآن فإن المعجزة تتجلى تماما ليقف عليها الملأ ،وليراها الجمهور رأي العين كي تستبين بعد ذلك قدرة الله البالغة ولكي يتثبت الناس من عظمة الخالق البارئ وهو يحيي الميت القتيل بعد أن يضربوه بجزء من بقرة ذبيحة ،فقال سبحانه: (فقلنا اضربوه ببعضها) أمرهم الله أن يضربوا الميت القتيل بجزء من البقرة الذبيحة ،ولا نتكلف القول لنزعم أن الجزء الذي استعمل للضرب كان كذا أو كذا من البقرة الذبيحة ،فإن تكلفا كهذا لا يغني من الحق شيئا ،وهو كذلك لا يوحي بشيء من فائدة لأهمية القصة المطروحة هنا ،وكل ما في الأمر أن المعجزة ربانية قد وقعت بمشيئة الله تمثلت في إحياء ميت من بني إسرائيل بعد أن ضربوه بجزء من البقرة المذكورة ذلك هو المحور الأهم والذي يعول عليه في هذه القصة الفريدة الكبيرة .
قوله: (كذلك يحي الله الموتى) الكاف في اسم الإشارة للتشبيه في محل نصب صفة مصدر ،محذوف وتقديره يحي الله الموتى إحياء مثل ذلك ،{[79]} أي مثلما أحيا الله الميت بضربه بجزء من بقرة مذبوحة ،فإن الله يبعث الخلائق من بعد الموت في الآخرة ،ولا جرم أن تكون قضية الإحياء بالنسبة للإسرائيلي القتيل بمثابة برهان واقعي محس قد عاينه الملأ بما يذكر بالحقيقة الأساسية الكبرى وهي يوم القيامة ،وهي حقيقة تعمل آيات القرآن بما تحويه من نماذج وقصص وأحداث على ترسيخها في الذهن والقلب معا .
هكذا يحي الله الموتى وليس ذلك عليه بأمر عسير أو عزيز ،وما تلك الأمثال التي يضربها للناس في القرآن كقصة البقرة أو نحوها غير أسباب تحمل المرء على أن يستفيض من حقيقة إحياء الموتى وبعثهم من القبور في يوم لا ريب فيه .
وكذلك فإن الله يطلع عباده على قدرته المطلقة الدالة على عظمته سبحانه لكي يعيها البشر وتعقلها الأمم جيلا بعد جيل فقال سبحانه: (ويريكم آياته لعلكم تعقلون) من العقل وهو في اللغة بمعنى المنع ،أي تمتنعون من فعل الحرام ،فتكتب لكم النجاة والسعادة .