( فقلنا اضربوه ببعضها ) هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به .
وخرق العادة به كائن ، وقد كان معينا في نفس الأمر ، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا ، ولكن أبهمه ، ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه فنحن نبهمه كما أبهمه الله .
ولهذا قال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال:إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له ، وكانت بقرة تعجبه ، قال:فجعلوا يعطونه بها فيأبى ، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير ، فذبحوها ، فضربوه يعني القتيل بعضو منها ، فقام تشخب أوداجه دما [ فسألوه] فقالوا له:من قتلك ؟ قال:قتلني فلان .
وكذا قال الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم:إنه ضرب ببعضها .
وفي رواية عن ابن عباس:إنهم ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف .
وقال عبد الرزاق:أنبأنا معمر ، قال:قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة:ضربوا القتيل ببعض لحمها . وقال معمر:قال قتادة:فضربوه بلحم فخذها فعاش ، فقال:قتلني فلان .
وقال أبو أسامة ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة:( فقلنا اضربوه ببعضها ) [ قال] فضرب
بفخذها فقام ، فقال:قتلني فلان .
قال ابن أبي حاتم:وروي عن مجاهد ، وقتادة ، نحو ذلك .
وقال السدي:فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه ، فقال:قتلني ابن أخي .
وقال أبو العالية:أمرهم موسى ، عليه السلام ، أن يأخذوا عظما من عظامها ، فيضربوا به القتيل ، ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:فضربوه ببعض آرابها [ وقيل:بلسانها ، وقيل:بعجب ذنبها] .
وقوله:( كذلك يحيي الله الموتى ) أي:فضربوه فحيي . ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل:جعل تبارك وتعالى ذلك الصنع حجة لهم على المعاد ، وفاصلا ما كان بينهم من الخصومة والفساد ، والله تعالى قد ذكر في هذه السورة ما خلقه في إحياء الموتى ، في خمسة مواضع:( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) [ البقرة:56] . وهذه القصة ، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، وقصة إبراهيم والطيور الأربعة .
ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميما ، كما قال أبو داود الطيالسي:حدثنا شعبة ، أخبرني يعلى بن عطاء ، قال:سمعت وكيع بن عدس ، يحدث عن أبي رزين العقيلي ، قال:قلت:يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ قال:"أما مررت بواد ممحل ، ثم مررت به خضرا ؟ "قال:بلى . قال:"كذلك النشور ". أو قال:"كذلك يحيي الله الموتى ". وشاهد هذا قوله تعالى:( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ) [ يس:35] .
مسألة:استدل لمذهب مالك في كون قول الجريح:فلان قتلني لوثا بهذه القصة ; لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله فقال:قتلني فلان ، فكان ذلك مقبولا منه ; لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق ، ولا يتهم والحالة هذه ، ورجحوا ذلك بحديث أنس:أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها ، فرضخ رأسها بين حجرين فقيل:من فعل بك هذا ؟ أفلان ؟ أفلان ؟ حتى ذكر اليهودي ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي ، فلم يزل به حتى اعترف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد رأسه بين حجرين وعند مالك:إذا كان لوثا حلف أولياء القتيل قسامة ، وخالف الجمهور في ذلك ولم يجعلوا قول القتيل في
ذلك لوثا .