وقوله:{قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} تلك صورة من صور التحدي يأمر الله نبيه عليه السلام بطرحها أمام يهود .غير أنهم خسئوا ونكصوا أمام هذا التحدي القائم الصارخ كان ذلك بعد أن زعمت يهود في ضلالة واغترار بأنهم خير الأمم ،وأنهم غير معذبين في النار سوى أيام معدودات ،وأنهم وحدهم يستأهلون الجنة وليس لأحد غيرهم أن يشاركهم فيها .وفي مثل هذا الزيف من القول يتحداهم الله أن يتمنوا الموت ،ذلك أن الذي يكون متوثقا من دخول الجنة والسلامة من عذاب النار لا جرم أن يتمنى الموت ،فيبرح هذه الحياة الحافلة بالكد والنصب ؛ليلج الدار الباقية المستديمة حيث الهناء والأمن والسعادة ،وهو تحد لا جرم أن يكون واضحا مكشوفا لا تعتريه مواربة ولا يجلله غموض .وخلاصته أن من أيقن أنه من أهل الجنة فهو يظل مشدودا إليها راغبا في الابتهاج بنعيمها السرمدي الفياض ،وطريق ذلك نفاد سني العمر ،والرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة حيث النعيم المقيم ،كذلك كان التحدي الذي لم يلق إلا قلوبا فارغة خاوية وآذانا موقورة عطلهاالصمم بما يدل على كذب هؤلاء القوم وسوء قصودهم ،وأنهم ليسوا على شيء مما زعموا فقال سبحانه:{ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}