قوله: ( بل قالوا أضغاث أحلام ) ( أضغاث ) جمع ضغث ومعناه القبضة من الحشيش المختلط رطبه بيابسه .وأضغاث الأحلام ،يعني الرؤيا التي لا يصح تأويلها لاختلاطها{[3018]} .لقد قال المشركون عما يأتي رسول الله ( ص ) من وحي: إنه أخلاط كالأحلام المختلطة .ثم أضربوا عن قولهم إنه تخاليط أحلام رآها في نومه ،إلى قولهم: ( بل افتراه ) أي ما جاءهم به محمد ( ص ) إن هو إلا كلام مفترى .ثم أضربوا عن قولهم هذا إلى قوله: ( بل هو شاعر ) هكذا كان المشركون الظالمون .كانوا متلجلجين حيارى في أقوالهم .مترددين في افتراءاتهم وأباطيلهم الظالمة عن حقيقة هذا النبي الكريم .
فما كان يأتي النبي ( ص ) غير الوحي الصادق الأمين المنزل من السماء ؛إذ كان يأتيه بالسورة أو الآيات .فما كان جبريل يبرحه إلى السماء حتى ترسخ في قلبه آيات الرحمان رسوخ الرواسي ليتلوها بعد ذلك على الناس ؛فإذا هي منظوم رباني فذ ليس له في كلام العالمين شبيه ولا مثيل ،فأين ذلك من أهاويل الرؤية المختلطة في المنام ؟!
ولئن قالوا افتراه أو اختلقه من عنده ،فما بين القرآن وحديث الرسول ( ص ) من سعة البون وهائل المباينة والاختلاف مثل الذي بين السماء والأرض أو أكبر ؛فإن الحديث والقرآن ،من حيث روعة النظم وعجيب الأسلوب ،لمختلفان بالغ الاختلاف ؛فأنى بعد ذلك لغاشم جهول أن يزعم أن القرآن من صنع محمد ( ص ) ؟!
أما قولهم: إن محمدا شاعر فلا جرم أن ذلك أبعد في الجهل وأرسخ في الحماقة وتعْس الافتراء والتقوّل .فما كان القرآن إلا قرآنا .هكذا سماه الله ؛فهو ليس على ضرب من ضروب الكلام في أساليب العرب ،كالشعر أو النثر أو السجع أو الخطابة ؛بل إنه قرآن وكفى .
قوله: ( فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ) سألوا أن يأتيهم رسول الله مثل ما أوتي موسى العصا ،ومثل ما أوتي صالح الناقة .مع أنهم يعلمون أكثر من غيرهم من سائر الأمم أن القرآن فيه من كمال الإعجاز ما يغنيهم عن سائر المعجزات الملموسة والمنظورة .لكنه العناد والجحود والاستكبار ،وفرط النفور من الإذعان للحق والصواب .