5 - بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ .
أضغاث أحلام: تخاليط أحلام رآها في النوم .
افتراه: اختلقه من تلقاء نفسه .
بل: تذكر للانتقال من غرض إلى آخر ،ولا تذكر في القرآن إلا على هذا الوجه كما قال ابن مالك .
تردد الكفار في اتهامهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بصنوف الفرى ،فلم يثبتوا على تهمة معينة ،وفي الآية تعبير مصور لجماعة من الحائرين يقولون: إن ما يأتي به محمد من الوحي أضغاث أحلام ،أي: أخلاط من الرؤيا المنامية تهيأ له في النوم ثم يجسدها في اليقظة .
والضِّغث: حزمة من الحشيش ،يختلط فيها الرطب باليابس ،ومنه قول القرآن الكريم: وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ .( ص: 44 ) .
أي: خذ حزمة من الحشيش يختلط فيها الرطب باليابس فاضرب به زوجتك ،برًّا في يمينك ،فالكفار يدَّعون: أن محمدا يرى عددا من الأحلام المختلفة ،ثم يعبر عنها في الصباح بهذا القرآن .
بَلِ افْتَرَاهُ .ثم أضربوا عن القول السابق وقالوا: إن محمدا يتقوّل هذا الوحي من عند نفسه ،فهو كذاب أو مبتكر أو عبقري يؤلف الكلام وينسبه إلى الله .
بَلْ هُوَ شَاعِرٌ .تأتيه شياطين الشعر بهذه الأفكار فيصوغها ،ويدعي أنها وحي .قال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ .( الشعراء: 210 ،211 ) .
وقال عز شأنه: إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَريمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ .( الحاقة: 40 ،42 ) .
فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ .
أي: على محمد أن يأتينا بمعجزة مادية ملموسة مثل: زحزحة الجبال عن مكة ،وتحويل أرضها إلى أرض سهلة تجري فيها الأنهار مثل سهول الشام ،أو ليحول جبل الصفا إلى ذهب ،كما أعطى صالح الناقة تحلب لبنا يكفي جميع قومه ،وكما أعطى موسى اليد والعصا ،وكما أعطى عيسى شفاء المرضى ؛فليظهر لنا محمد معجزات مادية ملموسة ،كما فعلت الرسل السابقة ،لكن الله سبحانه لم يجبهم إلى مطلبهم ؛لأن لله سننا لا تتخلف ،ومن هذه السنن: أن الأمة التي تعطى آية ملموسة ثم تكذِّب ؛تستحق العذاب العاجل ،والحق سبحانه لا يريد أن يعجل بالعذاب لأمة بينها محمد صلى الله
عليه وآله وسلم حيث قال: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ...( الأنفال: 33 ) .