قوله تعالى:{ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ( 28 ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( 29 )} أي ناد في الناس بالحج يأتوك مشاة وركبانا ليحضروا ( منافع لهم ) ووجوه المنافع التي يحضرونها كثيرة: منها أداء المناسك كعرفات والمشعر الحرام حيث الذكر والتسبيح والتهليل والدعاء في تضرع وتذلل إلى الله عسى أن يستجيب ويكفّر الخطايا والذنوب ،وغير ذلك من وجوه المنفعة كالتجارات والزيارات وقضاء المصالح والحوائج المختلفة مما فيه إرضاء لله ،وتحصيل منافع الدنيا والآخرة .
قوله: ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) ويراد بالذكر هنا ،التسمية عند الذبح أو النحر لكل من الهدي أو الأضحية .وهو أن يقول الذابح أو الناحر: باسم الله والله أكبر .أو قوله: ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) الآية .وفي ذلك تنبيه على أن الغرض فيما يتقرب به إلى الله هو ذكر اسمه تعالى وما يقتضيه ذلك من مخالفة المشركين في مثل هذه المسألة ؛إذ كانوا يذبحون أو ينحرون الأنعام للنصب والأوثان .
أما الأيام المعلومات: فالمراد بها العشر من ذي الحجة .وهو قول أكثر أهل العلم .وقال به ابن عباس واختاره الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة . وفي فضل هذه الأيام العشر روى الإمام أحمد بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله ( ص ):"ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ،فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد "
وقيل: المراد بالأيام المعلومات: ثلاثة أيام .وهي يوم النحر ،ويومان بعده .وهو مذهب مالك .وقيل: يوم عرفة ،ويوم النحر ،ويوم آخر بعده ،وهي رواية عن ابن عباس .
قوله: ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) أي يذكرون اسم الله وحده على ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم .
قوله: ( فكلوا منها ) أي كلوا مما ذكرتم اسم الله عليه من بهيمة الأنعام .والأمر هنا يفيد الندب وليس الوجوب . وهو قول الجمهور .وبذلك يستحب للمرء أن يأكل من هديه أو ضحيته ،وأن يتصدق بمعظمها ويجوز التصدق بالكل .وقيل: يجب الأكل منها استنادا إلى ظاهر الآية ( فكلوا ) والصواب القول بالندب .
وذهب كثير من أهل العلم وفيهم الحنفية إلى أن المضحي يستحب له التصدق بالثلث ،وأن يطعم الثلث ،ويأكل هو وأهله الثلث .أما عند الشافعية فيأكل النصف .ويتصدق بالنصف الآخر ،لقوله: ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) فذكر شخصين .وفي قول لهم ثان: يأكل هو وأهله ثلثا .ويتصدق بثلث ،ويطعم ثلثا .
على أن المسافر مخاطب بالأضحية كالمقيم لعموم الخطاب وخالف الإمام أبو حنيفة في ذلك .واستثنى الإمام مالك من المسافرين الحاج بمنى ؛إذ لم ير عليه أضحية .وروي هذا عن أبي بكر وعمر وجماعة من السلف رضي الله عنهم ؛لأن الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهدي .فإذا أراد أن يضحي جعله هديا .
أما حكم الادخار ،ففيه عدة أقوال .أولها: عدم الادخار بعد ثلاثة أيام .وهو مروي عن علي وابن عمر ؛وذلك لأخبار النهي عن الادخار .
ثانيها: أن النهي عن الادخار منسوخ .وبذلك يذخر إلى أي وقت أحب .وقال به أبو سعيد الخذري .
ثالثها: جواز الأكل من الأضاحي مطلقا .
رابعها: إن كانت بالناس حاجة إلى لحوم الأضاحي فلا يدخر ؛لأن النهي إنما كانت لعلة وهي قوله ( ص ):"إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت "والدافة ،قوم قدموا المدينة عند الأضحى فنهاهن عن ادخار لحوم الأضاحي ليتصدقوا بها فينتفع بها هؤلاء .
قوله: ( وأطعموا البائس الفقير ) ( البائس ) من البؤس وهو الشدة ،والحاجة{[3102]} ،والبائس من أصابه بؤس أي شدة .أو هو الذي أصابه ضرّ الحاجة والجوع .و ( الفقير ) ،هو الذي لا شيء له .وقيل: المتعفف .