وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت: ( ليشهدوا منافع لهم ) .أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة ،ليروا منافع لهم باُم أعينهم .
وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان ،إلاّ أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية ،فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية ،وكلّ عائد فردي وإجتماعي وفلسفة سياسيّة وإقتصادية وأخلاقية .فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع !إنّها لعبارة جميلة !ما أولاهم أن يجعلهم الله شهوداً على منافعهم !ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم !
وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثاً عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في الردّ على استفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ...: منافع الدنيا أو منافع الآخرة ؟فقال: «الكل »{[2619]} .
وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله .
ثمّ تضيف الآية: ( ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله ،وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة .وبما أنّ الإهتمام الأساس في مراسم الحجّ ،ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة ،تُقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاُضحية فقط ،وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير .وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الاُضحية ،وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان ،كما أنّ الإستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه .
وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزاً لإعلان الحاج استعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله ،على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيم ( عليه السلام ) ومحاولة التضحية بابنه إسماعيل ( عليه السلام ) .إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون استعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم .
وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي اُسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم ،ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله .وجاء في ختام الآية: ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) .
كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في ( أيّام معلومات )هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نِعَم لا تعدّولا تحصى .خاصةً بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها{[2620]} .
/خ28