قال ابن عباس:( ليشهدوا منافع لهم ) قال:منافع الدنيا والآخرة; أما منافع الآخرة فرضوان الله ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والربح والتجارات . وكذا قال مجاهد ، وغير واحد:إنها منافع الدنيا والآخرة ، كقوله:( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) [ البقرة:198] .
وقوله:( ويذكروا اسم الله [ في أيام معلومات] على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) قال شعبة [ وهشيم] عن [ أبي بشر عن سعيد] عن ابن عباس:الأيام المعلومات:أيام العشر ، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به . ويروى مثله عن أبي موسى الأشعري ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، وإبراهيم النخعي . وهو مذهب الشافعي ، والمشهور عن أحمد بن حنبل .
وقال البخاري:حدثنا محمد بن عرعرة ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما العمل في أيام أفضل منها في هذه "قالوا:ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:"ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل ، يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ".
ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه . وقال الترمذي:حديث حسن غريب صحيح . وفي الباب عن ابن عمر ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر .
قلت:وقد تقصيت هذه الطرق ، وأفردت لها جزءا على حدته ، فمن ذلك ما قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، أنبأنا أبو عوانة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن ، من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد "وروي من وجه آخر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، بنحوه . وقال البخاري:وكان ابن عمر ، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر ، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
وقد روى أحمد عن جابر مرفوعا:إن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله:( والفجر وليال عشر ) [ الفجر:1 ، 2] .
وقال بعض السلف:إنه المراد بقوله:( وأتممناها بعشر ) [ الأعراف:142] .
وفي سنن أبي داود:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا العشر .
وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ، فقال:"أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية ".
ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله .
وبالجملة ، فهذا العشر قد قيل:إنه أفضل أيام السنة ، كما نطق به الحديث ، ففضله كثير على عشر رمضان الأخير; لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك ، من صيام وصلاة وصدقة وغيره ، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه .
وقيل:ذاك أفضل لاشتماله على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر .
وتوسط آخرون فقالوا:أيام هذا أفضل ، وليالي ذاك أفضل . وبهذا يجتمع شمل الأدلة ، والله أعلم .
قول ثان في الأيام المعلومات:قال الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس:الأيام المعلومات:يوم النحر وثلاثة أيام بعده . ويروى هذا عن ابن عمر ، وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه .
قول ثالث:قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا علي ابن المديني ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا ابن عجلان ، حدثني نافع; أن ابن عمر كان يقول:الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام ، فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والأيام المعدودات ثلاثة أيام يوم النحر .
هذا إسناد صحيح إليه ، وقاله السدي:وهو مذهب الإمام مالك بن أنس ، ويعضد هذا القول والذي قبله قوله تعالى:( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني به:ذكر الله عند ذبحها .
قول رابع:إنها يوم عرفة ، ويوم النحر ، ويوم آخر بعده . وهو مذهب أبي حنيفة .
وقال ابن وهب:حدثني ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه أنه قال:المعلومات يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .
وقوله:( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني:الإبل والبقر والغنم ، كما فصلها تعالى في سورة الأنعام وأنها ( ثمانية أزواج ) الآية [ الأنعام:143] .
وقوله ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي وهو قول غريب ، والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب ، كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ، فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها .
وقال عبد الله بن وهب:[ قال لي مالك:أحب أن يأكل من أضحيته; لأن الله يقول:( فكلوا منها ):قال ابن وهب] وسألت الليث ، فقال لي مثل ذلك .
وقال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم:( فكلوا منها ) قال:كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين ، فمن شاء أكل ، ومن شاء لم يأكل . وروي عن مجاهد ، وعطاء نحو ذلك .
قال هشيم ، عن حصين ، عن مجاهد في قوله ) فكلوا منها ):هي كقوله:( وإذا حللتم فاصطادوا ) [ المائدة:2] ، ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) [ الجمعة:10] .
وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره ، واستدل من نصر القول بأن الأضاحي يتصدق منها بالنصف بقوله في هذه الآية:( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ، فجزأها نصفين:نصف للمضحي ، ونصف للفقراء .
والقول الآخر:أنها تجزأ ثلاثة أجزاء:ثلث له ، وثلث يهديه ، وثلث يتصدق به; لقوله في الآية الأخرى:( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) [ الحج:36] وسيأتي الكلام عليها عندها ، إن شاء الله ، وبه الثقة .
وقوله:( البائس الفقير ) ، قال عكرمة:هو المضطر الذي عليه البؤس ، [ والفقير] المتعفف .
وقال مجاهد:هو الذي لا يبسط يده . وقال قتادة:هو الزمن . وقال مقاتل بن حيان:هو الضرير .