قوله تعالى:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ( 3 )} قال المفسرون: قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال ،وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ،فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين .فقالوا: لو أنا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن .فاستأذنوا النبي ( ص ) في ذلك ،فنزلت هذه الآية وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك .
وقيل: نزلت الآية في نساء بغايا بمكة والمدينة وكن كثيرات ومنهن تسع صواحب رايات .وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير ،لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان .فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذوهن مأكلة ،فأنزل الله تعالى هذه الآية .ونهى المؤمنين عن ذلك وحرمه عليهم .
وروى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد وكان رجلا يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة .قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له وأنه واعد رجلا من أسارى مكة بحمله . قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ،فلما انتهت إلي عرفتني فقالت: مرثد ؟فقلت: مرثد .فقالت: مرحبا وأهلا .هلم فبتْ عندنا الليلة .فقلت: يا عناق ،إن الله حرم الزنا .فأتيت رسول الله ( ص ) فقلت: يا رسول الله .أنكحُ عناقا ،فأمسك رسول الله ( ص ) فلم يرد شيئا حتى نزلت ( الزاني لا ينكح إلا زانية ) الآية{[3218]} .وينكح هنا بمعنى يطأ .وهذا إخبار من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة أي لا تجيبه إلى بغيته وهو الجماع إلا زانية من الزواني لا تعبأ بفعل المعصية ،أو مشركة من المشركات لا تجد الزنا حراما .وكذلك المرأة الزانية لا يطأها أو يجامعها إلا رجل زان عاص لله ،أو مشرك لا يرى أن الزنا حرام .فالمراد بالنكاح ههنا الوطء أو الجماع .فلا يزني بالزانية أو الكافرة إلا من هو مثلها في الزنا أو الكفر .وجملة ذلك أن الزاني لا يزني إلا بزانية .وكذا الزانية لا تزني إلا بزان .وهو قول ابن عباس .
قوله: ( وحرم ذلك على المؤمنين ) الإشارة عائدة إلى معصية الزنا ؛فإنه حرام على المؤمنين .ويستفاد من ذلك تحريم الزواج من البغايا ،أو تزويج العفائف من الرجال الفجار .وقد ذهب الإمام أحمد على أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ( الزانية ) مادامت موصوفة بالزنا حتى تستتاب ،فإن تابت صح زواجها .وكذلك لا يصح تزويج الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب ،فإن تاب جاز زواجه منها .
وقيل: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) فقد دخلت الزانية في أيامي المسلمين ،وهو قول أكثر العلماء .وبذلك من زنا بامرأة فله أن يتزوجها ،ولغيره كذلك أن يتزوجها .ويستفاد من كون الآية منسوخة أن التزوج بالزانية صحيح .وإذا زنت زوجة الرجل لم يفسد عقد الزواج بينهما .وإذا زنا الزوج لم يفسد نكاحه مع زوجته{[3219]} .