وبعد بيان حدِّ الزِّنا ،جاء بيان حكم الزواج من هؤلاء في الآية الثّالثة وكما يلي ( الزاني لا ينكح إِلاّ زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلاّ زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين ) .
اختلف المفسّرون في كون هذه الآية بياناً لحكم إلهي ،أو خبراً عَنْ قضيّة طبيعيَة .
فيرى البعض أنَّ الآية تبيّن واقعة ملموسة فقط ،فالمنحطون يختاروُن المنحطات ،وكذلِك يفعلْنَ هن في اختيارهن ،بينما يَسْمُو المتطهّرون المؤمنون عن ذلك .ويحرّمون على أنفسهم اختيار الأزواج من ذلك الصنف تزكيةً وتطهيراً ،وهذا ما يَشْهَدُ به ظاهِرُ الآية الذي جاء على شكل جملة خبرية .
إِلاّ أنّ مجموعة أُخرى ترى في هذه العبارة حكماً شرعياً وأمراً إِلهياً يمنع المؤمنين من الزواج مع الزانياتِ ،ويمنع المؤمناتِ من الزواج مع الزناة ،لأنّ الانحرافات الأخلاقية كالأمراضِ الجسميةِ المعدية في الغالب .فضلا عن أنَّ ذلك عارٌ يأباهُ المؤمِنُ وينأى عنه .
مضافاً إلى المصير المبهم والمشكوك للأبناء الذين ينشؤون في أحضان ملوثة ومشكوكة .ينتظر الأبناءَ من مثل هذا الزواج !
ولهذه الأسباب والخصوصيات منعه الإسلام .
والشاهد على هذا التفسير جملة ( وحرِّم ذلك على المؤمنين ) الّتي تدلّ على تحريم الزنا .
والدليل الآخر أحاديث عديدة رويت عن النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسائر الأئمّة المعصومين( عليهم السلام ) التي فسّرت هذه الآية باعتبارها حكماً إلهياً ينص على المنع .
وحتى أن بعض كبار المفسّرين كتب بشأن نزول هذه الآية: إنّ رجلا من المسلمين استأذن الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أن يتزوج «أم مهزول » وهي امرأة كانت تسافح ولها راية على بابها ،فنزلت الآية{[2747]} ،عن عبد الله بن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والزهري ،والمراد بالآية النهي وإن كان ظاهرها الخَبَر .
ويؤيده ما روي عن أبي جعفر( عليه السلام ) وأبي عبد الله( عليه السلام ) أنّهما قالا: «هم رجال ونسَاء كانوا على عهد رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشهورين بالزنا ،فنهى الله عن أُولئك الرجال والنساء ،والناس على تلك المنزلة ،فمن شهر بشيء من ذلك وأقيم عليه الحد فلا تزوجوه حتى تعرف توبته »{[2748]} .
ولا بد أن نذكّر أن العديد من الأحكام جاء جملا خبرية .ولا ضرورة لأن تكون إنشائيةً آمرةً ناهيةً .
والجديرُ بالانتباه أَنَّ المشركين كانوا يعطفون على الزُناةُ ،وهذا يكشِفُ عن أنَّ الزّنا والشِّركَ صنوانِ .قال الرّسول الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ،ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ،فإنه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص »{[2749]} .
/خ3