قوله: ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ) الضمير في ( جعله ) يعود على الإمداد بالملائكة .والبشرى ،والبشارة تعني الخبر السار ،أي أن الله أنزل الملائكة إمدادا لكم ليكون ذلك بشارة لكم وتطييبا لقلوبكم وتطمينا ،وتقوية لهممكم وتثبيتا بما يزداد به رجاؤكم بالنصر والطمع في رحمة الله .
قوله: ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) ذلك قرار رباني ثابت لا يتخلف بعد ما ذكر من أن تقدير المدد من الله للمسلمين كان تطمينا لقلوبهم بما ينسجم مع طبيعة الإنسان المفطور على الضعف .وذلك هو شأن الإنسان ودأبه في رجاء العون والمدد المشهور تثبيتا لقلبه وأعصابه فلا تهون أو تتزعزع .
وبالرغم من ذلك كله فإن الحقيقة الماثلة الكبرى في هذا الصدد ،والقيمنة بالاعتبار والوعي والتي ينبغي أن تظل راسخة في الأذهان والقلوب هي أن النصر إنما يكتبه الله لمن يشاء من عباده .فهو سبحانه الناصر القاهر ،وهو المعز المذل وهو الذي لا سند عن ملكوته وإحاطته وعلمه شيء .لا جرم أن الله ينصر جنده المؤمنين الأبرار إذا ما اتقوه وأطاعوه ثم توكلوا عليه حق التوكل مع ما يرافق ذلك كله من اتخاذ الأسباب المستطاعة .فإذا ما استتم الحال بالمسلمين على هذا المنوال من التقى والطاعة وتمام التوكل وحسن الإعداد فإنه الله ناصرهم .فهو جل وعلا مصدر النصر وهو الذي يقهر المشركين والمجرمين والظالمين مهما أخذ بهم الاغترار بقوة السلاح وكثرة الحشود من العساكر .وذلك مقتضى قوله س [ حانه: ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) أي أن النصر إنما يصدر من الله وحده وهو سبحانه العزيز الذي لا يقهر ولا يغالب ،وهو الحكيم الذي ينصر ويخذل بمقتضى حكمه وعلمه .