{ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به} أي وما جعل الله تعالى ذلك الوعد الذي ساقه على لسان رسوله لكم إلا تبشيرا لكم بالنصر إن أخذتم الأهبة ، وسلكتم الجادة واستقمتم في إطاعة القائد الحكيم ، والمدبر العظيم ، وقد كنتم في حاجة إلى هذا الوعد ، إذ أصاب بعضكم الوهن عندما رجع المنافقون بجموعهم وهم ثلث الجيش يقولون:"لو نعلم قتالا لاتبعناكم"حتى لقد همت طائفتان منكم ان تفشلا ؛ ولذلك قال تعالى:{ ولتطمئن قلوبكم به} فهذا الوعد الإلهي الذي جاء على لسان النبي الأمي كان للتبشير بالفوز عن صبروا واتقوا ، ولتطمئن قلوبهم به وليذهب فزع الذين أصابهم عندما كان من المنافقين ما كان .
ولقد يقول قائل:كيف تكون البشرى مع ان النتيجة لم تكن نصرا ، والبشرى يكون فيها الفوز ولا فوز هنا ، والله سبحانه وتعالى لا يتخلف قوله ولا وعده ؟ ونقول في الجواب عن ذلك:عن تلك البشارة مقرونة بشرطها من جانبهم وهي ان يتقوا ويصبروا ، وما صبروا او على الأقل ما صبر الرماة منهم لنهم ما ضبطوا انفسهم ، بل خالفوا نهى النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا هواهم فكان ما كان ، وفوق ذلك فإن البشرى قد تحققت في ان الله تعالى القي في قلوب المشركين الرعب عندما تلاوموا فيما بينهم بعد ان أصابوا من المؤمنين قرحا ، وقال قائلهم:"لم تصنعوا شيئا ، أصبتم شوكتهم وحدهم وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم ، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم"وما زالوا حتى أجمعوا الكرة على المؤمنين ولكن الله تعالى أركسهم وخذلهم ، وألقى في قلوبهم الرعب ، فرضوا من الغنيمة بالإياب .
{ وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} هذا تقوية لمعنى البشرى ، ورد على كل الأوهام التي ثارت ، وفيها امر لهم بالتفويض لربهم ، وأنهم إن كانوا قد أصابتهم جراح لأخطاء ارتكبوها ، ومخالفات للطاعة وقعوا فيها ، فإن الله تعالى لم يتخل عنهم ، ولا نصر إلا من عنده ، لأن كل شيء بيده ، و قد حرمالمشركينمن ثمرات ما فعلوا حتى عادوا من غير نصر نالوه ، وإنه يعدكم النصر منه متى أخذتم بالأسباب ، وتركتم عوامل الخذلان ، وقد وصف ذاته الكريمة بأنه عزيز حكيم ؛لأن ذلك هو الذي يناسب المقام ، فالله سبحانه عزيز غالب قهار لا يغلب ، وهو حكيم ؛ وهو حكيم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وقد وعد بالنصر ، فالنصر آت لا ريب فيه .