قوله تعالى: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) .
جاء في نزول هذه الآية أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام ،فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرج في آخر الزمان ،فلما دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت فقالا له: أنت محمد ؟قال:"نعم "قالا: أنت أحمد ؟قال:"نعم "قالا: إنا نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك ،فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سلاني "فقالا له: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله تعالى ؟فأنزل الله تعالى الآية وأسلما .وقيل: نزلت في نصارى نجران لما حاجوا في أمر عيسى عليه السلام{[425]} .
وقوله: ( شهد ) أي بين وأعلم .والشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه وذلك إعلان من الله كبير ،إعلان مجلجل وقارع يبين وحدانية الله ،وأن الله خالق الكائنات والخلائق ،وبارئ مدبر إلا هو سبحانه .ولا ريب أن هذه شهادة عظمى ،بل إنها كبرى الشهادات في هذا الكون كله ،شهادة ربانية مثيرة تصدر عن جلال الله وعن كماله الأعظم ،على أنه وحده المتفرد بالإلهية من غير نديد له في ذلك أو شريك .
وكذلك الملائكة يشهدون ،وأولو العلم .وهم هنا علماء الكتاب والسنة وما يتوصل به إلى معرفتهما من علوم ومعارف .
وبذلك فإن الله جل جلاله يشهد ،والملائكة كذلك يشهدون .وأهل العلم يشهدون أيضا على أن الله وحده خالق كل شيء ( قائما بالقسط ) قائما منصوب على الحال .فهو قائم بالعدل ،وهذا شأنه جل وعلا ،قيوم العالمين بالعدل والفضل والرحمة .
ثم كرر للمشهود به على سبيل التأكيد ( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) والعزيز الذي لا يمتنع عليه شيء أراده .والحكيم في تدبيره فلا يدخله خلل{[426]} .