قوله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) .
جاء في سبب نزول هذه الآية أن أقواما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زعموا أنهم يحبون الله فقالوا: يا محمد إنا نحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وروي عن ابن عباس أن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه أنزل الله تعالى هذه الآية ،فلما نزلت عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود فأبوا أن يقبلوها{[449]} .
وقيل غير ذلك من الأقوال بما هو شبيه بما ذكر .
وبيان ذلك أنه لا ينبغي التعويل على مجرد الحب لله من غير امتثال لأمره وانتهاء عن زواجره ،وإنما الحب الصادق السليم أن تقترن محبة الله بالانقياد لشرعه والامتثال لأمره كله بعيدا عن زيغ القلوب وانحرافها صوب الهوى ،وأيما حب كهذا لا جرم أن لا يكون صحيحا أو مقبولا ،وكما قيل: ليس الشأن أن تحب الله وإنما الشأن أن يحبك الله ،فإنه ربما حسب المرء أنه محب لله وهو في الحقيقة بعيد عن حب الله له ؛لأن محبة الله للعبد لا تتحقق إلا من خلال الالتزام الأوفى بتعاليم الإسلام كله من غير تقصير ولا تفريط ولا تنطع ولا شطط .ويمكن إجمال ذلك في أمرين .
الأمر الأول: أن يحب المرء ربع مع الامتثال لأمره الذي بينه وشرعه للناس ما بين أوامر وزواجر ،أما دعوى الحب لله في معزل عن الامتثال والتطبيق فإنه لا يغني صاحبه شيئا ،بل إنه مجرد أخلاط من المشاعر الجياشة السلبية التي لا تنفع ولا تنجي من سخط الله وعذابه .ومثل هذه الظاهرة ،كثيرا ما يتشبث بها فريق من الناس إذ يحسبون أنهم بمفازة من عذاب الله وأنهم محظوظون برضوان الله مادموا يكنون لربهم الحب مجردا من كل عمل أو امتثال ،لا جرم أن ذلك زعم خاطئ واهم لا يزحزح عن قائليه المساءلة يوم القيامة وعسير الحساب .
الأمر الثاني: ثمة ضرب من الحب المريب يخالج الإنسان في حسه وشعوره بعد أن خالط ذهنه الوهم فبات في تصوره وظنه وسلوكه يهذي هذيان الشاطح الحالم .ذلك صنف من الأناسي غرتهم أمانيهم وأحلامهم الواهمة فانفتلوا بأنفسهم عن حقيقة الحب المنسجم فانساحوا ذاهلين مضللين بعد أن خدعتهم عقولهم التائهة وقلوبهم التي غشيها الزيغ والخلل .إن هذا الصنف من الناس خاطئ وجهول وهو يحسب أنه على شيء يحسب أنه محب لله وأنه مع لفيفه من زمرة الهائمين الحالمين البلهاء يحظون بمحبة الله دون غيرهم ،لا جرم أن ذلك ضرب من الهوس الوجداني المنفوش الذي يفضي إلى اشتداد في الهيام والتهاب في المشاعر المصطنعة من غير روية ولا تبصر ،المشاعر الهائمة المشبوبة التي لا يسعفها الفكر النير ولا المعرفة الحقيقية الواعية لأمور هذا الدين المتكامل المتسق ،الدين الذي تأتلف في خضمه كل مناحي الحياة والسلوك ما بين سياسة واقتصاد واجتماع وجندية ومعاملات ،فضلا عن جمال الزهد وصلابة العقيدة وروعة الحب الغامر لله وحده .في ذلك يقول عز من قائل: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) وعلى هذا فإن من ادعى أنه محب لله وهو ليس على طريق الله وعلى نهج النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كاذب مخادع ،أو أنه مضلل تائه مخدوع حتى يؤوب إلى الله في شرعه ومنهاجه ويمتثل في عامة أقواله وأفعاله وسلوكه لتعاليم الإسلام كاملة غير منقوصة ،وإذ ذاك يحظى بحب الله له وبغفرانه ورحمته .