/م31
{قُلْ} يا محمد ،لهؤلاء الذين يتحدثون عن حب الله بطريقةٍ ساذجة عاطفية ،كما يحب أحدهم صاحبه أو فتاته من خلال معناه الشعوري المتحرك في الإحساس ،نبضةً في القلب ،وخفقةً في الإحساس ،واهتزازاً في الشعور ،فتكون المسألة لديه أن يعبّر عنه بالكلمة أو البسمة ،أو الحركات الحميمة في تعابير الجسد نحو الآخر .
قل يا محمد بأسلوب تثقيفيٍّ يضع الأمور في نصابها الصحيح ،ويوحي بالفكرة في منطلقاتها الحقيقية ،ويحوّل الحب لله إلى منهج عملي يتصل بالواقع الحي المتحرك المسؤول في علاقة الإنسان بالله في كل وجوده ،في الخطوط العامة والخاصة ،من خلال الرسول الذي يفتح للناس أبواب الله في دائرة شريعته ودينه .
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} فكراً في العقل ،وانفتاحاً في الروح ،ووعياً في القلب ،وإخلاصاً في الواقع ،بحيث تكون القضية في عمق الذات ،لا في سطح العاطفة ،في الآفاق التي تؤكد المضمون في النفس{فَاتَّبِعُوني} في رسالتي التي بلَّغتكم إياها ،وفي الشريعة التي أمركم الله باتباعها ،وأراد لكم أن تصوغوا إنسانيتكم في الحياة على صورتها ،وفي المفاهيم العامة عن الإنسان والكون والحياة ،وفي النهايات المصيرية التي تطل بكم على الدار الآخرة ،فإنها ليست شيئاً ينطلق من صفتي الشخصية ،ولا من مبادراتي الذاتية ،فإني لا أمثل في موقعي عندكم إنساناً ينتسب إلى عائلةٍ وينتمي إلى مكان ،بل إني أمثل الرسول الذي أرسله الله إليكم ليخرجكم من الظلمات إلى النور ويهديكم إلى الصراط المستقيم ،ويفتح لكم أبواب الجنة بالدعوة إلى طاعته ،ويغلق عنكم أبواب النار بالدعوة إلى البعد عن معصيته ،فكلماتي كلماته ،وأفكاري إيحاءاته ،وطاعتي طاعته ،ومعصيتي معصيته ،والرادّ عليّ رادّ عليه ،والمنفتح عليَّ منفتح عليه ،لأن الرسولفي صفته الرسوليةلا يمثل نفسه ،بل يمثل صاحب الرسالة ،وهو الله ،فإذا اتبعتموني في كل تعاليمه التي أعلّمكم إياها ،فإنكم بذلك تؤكدون اتباعه ،وأي حبٍّ أعظم من الذوبان في طاعة من تحب ،وأيُّ إخلاص أكبر من الانحناء أمام إرادته ،فإذا رأى الله منكم هذا الحب الواقعي المتمثل بالعمل الرسالي الخاضع لله ورسالاته{يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ،لأنه يحب الصادقين المتقين المحسنين الخاشعين ،لأن صدقهم وتقواهم وإحسانهم وخشوعهم له دليلٌ واضحٌ على حبهم له ،وبذلك يمحضهم حبّاً بحب .
وإذا كان حب العبد لله طاعةً له ،فإن حب الله للعبد مغفرةٌ له ورضوان ،هذا ما عبرت عنه الآية التالية{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} التي أسلفتم في غفلاتكم وضياعكم وحيرتكم في متاهات الطريق{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فالغفران شأنه والرحمة صفته ،لأنه الرب الكريم الذي لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم .