{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} فإن ما جئت به من عنده مبين لصفاته وأوامره ونواهيه والمحب حريص على معرفة المحبوب ومعرفة ما يأمر به وينهى عنه ليتقرب إليه بمعرفة قدره وامتثال أمره مع اجتناب نهيه ويكون بذلك أهلا لمحبته سبحانه ومستحقا لأن يغفر له ذنوبه .قيل إن الآية نزلت كالجواب لقوم ادعوا أمام الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم يحبون ربهم وما من أحد يؤمن بالله ولو بطريق التقليد والاتباع لغيره إلا وهو يدعي حبه .وقيل إنها نزلت ليخاطب بها نصارى نجران الذين كان وفد نجران في المدينة ويصح أن تكون مما يحتج به عليهم ولكن الخطاب فيها عام ، وحجة على أهل الدعوى في كل زمان ومكان ، وما قيمة الدعوى يكذبها العمل ، وكيف يجتمع الحب مع الجهل بالمحبوب وعدم العناية بأمره ونهيه .
تعصى الآله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
{ ويغفر لكم ذنوبكم} السابقة من الاعتقاد الباطل والأعمال السيئة لأن هذا الاتباع هو الاعتقاد الحق والعمل الصالح وهما يمحوان من النفس ظلمة الباطل ، ويزيلان منها آثار المعاصي والرذائل ، وهذا هو عين المغفرة .فالمغفرة أثر فطري للإيمان والعمل الصالح بعد ترك الذنوب كما أن العقاب أثر طبيعي للكفر والمعاصي{ والله غفور رحيم} جعل للمغفرة سنة عادلة وبينها برحمته وإحسانه لعباده ، وهي تزكية النفس بالاتباع الذي أكد الأمر به وبين أن عاقبة الإعراض عنه الحرمان من حب الله تعالى فقال:{ قل أطيعوا الله ورسوله فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} .