{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} قال الأستاذ الإمام ما معناه:الكلام تتمة لوعيد من يوالي الكافرين ناصرا إياهم على المؤمنين .والمعنى اتقوا واحذروا أو لتحذروا يوم تجد كل نفس عملها من الخير مهما قل محضرا .ولا يجوز تقدير"اذكر "متعلقا لقوله"يوم تجد "كما فعل الجلال .ومعنى كونه محضرا أن فائدته ومنفعته تكون حاضرة لديه .أما عمل السوء فتود كل نفس اقترفته لو بعد عنها ولم تره وتؤخذ بجزائه .وهذا يدل على أن عمل الشرك يكون محضرا أيضا ولكنه عبر عنه بما ذكر ليدل على أن إحضاره مؤذ لصاحبه يود لو لم يكن ، أي ومنه يعلم أن إحضار عمل الخير يكون غبطة لصاحبه وسرورا .وقال الأستاذ الإمام إن هذا التعبير ضرب من التمثيل كالآيات التي فيها ذكر كتب الأعمال وأخذها بالأيمان والشمائل فإن الغرض من التعبير بأخذها باليمين أخذها بالقبول الحسن ومن أخذها بالشمال أو من وراء الظهر أخذها مع الكراهة والامتعاض .
أقول:وكيف لا تجد كل نفس ما عملت محضرا فتسر المحسنة وتنعم بما أحسنت ، وتبتئس المسيئة وتغم بما أساءت ، وتود لو كان بينها وبينه بعد المشرقين وهذه الأعمال مرسومة في صحائف هذه الأنفس وهي صفات لها وعن هذه الصفات صدرت تلك الحركات فزادت الصفات رسوخا والنقوش في النفس تمكنا حتى ارتقت بالمحسن إلى عليين ، حيث كتاب الأبرار ، وهبطت بالمسيء إلى سجين ، حيث كتاب الفجار ،{ ويحذركم الله نفسه} فإنه من ورائكم محيط وسنته في تأثير الأعمال في النفوس وجعل آثار أعمالها مصدرا لجزائها حاكمة عليكم ، أفلا يجب عليكموالأمر كذلكأن تحذروه بما أوتيتم من القدرة على الخير والميل إليه بترجيحه على ما يعرض على الفترة من تزيين عمل السوء والتوبة إليه سبحانه ما غلبتم عليه في الماضي{ والله رؤوف بالعباد} ومن رأفته:أن جعل الفطرة سليمة ميالة بطبعها إلى الخير وتتألم مما يعرض لها من الشر ، وأن جعل للإنسان أنواعا من الهدايات يرجح بها الخير على الشر كالعقل والدين ، وأن جعل جزاء الخير مضاعفاوأن جعل أثر الشر في النفس قابلا للمحو بالتوبة والعمل الصالح ، وأن أكثر التحذير من عاقبة السوء ليذكر الإنسان ولا ينسى ، لعله يتذكر أو يخشى .
ومن مباحث اللفظ في الآية دخول الحرف المصدري على مثله في قوله"لو أن "قال الأستاذ الإمام:وهو المعروف في الكلام العربي الفصيح فلا حاجة إلى جعل الأصل فيه المنع وتأويل ما سمع منه .وقد اختلف في تفسير الأمد فقيل الغاية وقيل الأجل وقيل المكان .وقال الراغب:الأمد والأبد يتقاربان لكن الأبد عبارة عن مدة من الزمان ليس لها حد محدود ولا يتقيد لا يقال أبد كذا والأمد مدة لها حد مجهول إذا أطلق وقد ينحصر نحو أن يقال أمد كذا كما يقال زمان كذا والفرق بين الزمان والأمد إن الأمد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدأ والغاية ولذلك قال بعضهم:المدى والأمد يتقاربان .