قوله: ( يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا وما علمت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) ذلك تحذير من الله بالغ لكي يخافه المسلمون فيتجنبوا مناهيه ،وينأوا بأنفسهم عن إضمار المودة للكافرين على حساب المسلمين .يحذرهم الله من الخسران والسقوط في الأذلين يوم القيامة .وإذ ذاك يجد الإنسان ما قدمت يداه من خير ومن شر بعد أن يطلعه الله على كتاب أعماله بين يديه منشورا لا جرم أن الموقف إذ ذاك رهيب ومرعب ،وأن ساعة الحساب مريعة ومذهلة تتزلزل منها القلوب والأبدان ،وتضطرب لهولها الأعصاب والمشاعر .موقف عسير ومذل وبالغ الترعيب يأخذ بالقلوب أخذا لتظل واجفة مذعورة .
وفي هذه الساعة المخوفة من الإياس المطبق تتشبث النفس المشدوهة المذعورة بكل ما تظنه منجاة لها من الخسران والثبور .فإذا أيقنت أن لا منجاة حينئذ ولا مجير غشيتها الأماني الواهمة الخادعة أن لو كان بينها وبين هذا المصير الخاسر أمدا بعيدا من الزمان أو المكان .يعبر عن ذلك أكمل تعبير قوله تعالى: ( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) .
وقوله: ( ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ) ذلك تأكيد منه للوعيد الذي خاطب به المسيئين المستنكفين عن أوامر الله ميلا يحل عليهم سخط الله وغضبه .ومع ذلك كله فإن رحمة الله الواسعة مرجوة للعباد ،ولهم من المتسع الرحيب ما يبلغ بهم رحاب النجاة والخلاص .يستفاد ذلك من العبارة القرآنية المجيدة التي تتندى منها شآبيب فياضة من الرحمة ،وتتدفق من ظواهر أحرفها الشفيفة ما يسكب في النفس الأمن والراحة والشرح .