قوله تعالى: ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ) .
هذه هي حال الراسخين في العلم .فهم أتقياء مخبتون متواضعون لا تبرحهم خشية الله .وهم دائما يبادرون بالدعاء إلى الله أن لا يزيغ قلوبهم ،أي أن لا يميلها أو يحرفها عن دينه القويم وصراطه المستقيم بعد أن أقامها عليه وهداها إليه ،وأن لا يجعلهم كالزائغين الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ليفرضوا على أنفسهم وعلى الناس ما يطيب لأنفسهم المريضة من المعتقدات والتصورات والأحكام المصطنعة .أولئك هم الزائغون عن طريق الله المستقيم ،الجانفون عن قسطاس الإسلام القويم .وأمثال هؤلاء في كل مكان وزمان كثيرون ممن ابتلى الله بهم عباده المؤمنين الصابرين الذي قدر لهم أن يقطعوا الدهر في جهاد مستديم ضد الضلال بكل صوره وأشكاله ،سواء في ذلك ضلال الكافرين والملحدين ،أو ضلال المنافقين والخراصين ،أو ضلال الزنادقة المارقين ،أو ضلال الفسقة من الجاهلين الذين يتحذلقون بعبارة الزيغ والعمه وهم يحسبون أنهم على شيء ولكنهم في الحقيقة أدعياء جهلة ،هائمون في غياهب الضلالة والوهم .
قوله: ( وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) أي امنحنا من عندك نعيما صادرا عن الرحمة .أما الرحمة عينها فلا توهب ؛لأنها راجعة إلى إحدى صفات الذات الإلهية فلا يتصور منحها أو هبتها .